بفتح الصاد، اسم مفعول؛ أي: يبصرها الناس، ويشاهدونها، وقرأ قتادة: بفتح الميم والصاد، مفعلة من البصر؛ أي: محل إبصار، أجراها مجرى صفات الأمكنة، نحو: أرض مسبعة، ومكان مضبّة.
{وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ} المقترحة {إِلَّا تَخْوِيفًا} من نزول العذاب المستأصل على المقترحين، فإن لم يخافوا ذلك، نزل أو بغير المقترحة، كالمعجزات، وآثار القرآن، إلّا تخويفًا بعذاب الآخرة، فإنّ أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة كرامة لك. أو المعنى؛ أي: إنّ الله تعالى يخوّف الناس بما شاء من الآيات، لعلهم يعتبرون ويذكرون، فيرجعوا.
ذكر المؤرخون أنّ الكوفة رجفت - زلزلت - في عهد ابن مسعود، فقال: أيها النّاس إنّ ربّكم يستعتبكم فأعتبوه، وروي أنّ المدينة زلزلت في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مرات، فقال عمر: أحدثتم والله، لئن عادت لأفعلنّ ولأفعلنّ، وفي الحديث الصحيح:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكن الله يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ثم قال: «يا أمّة محمد، والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمّته» يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم .. لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرًا»،
٦٠ - ثم قال سبحانه محرّضًا رسوله على إبلاغ رسالته، ومخبرًا له بأنه قد عصمه من الناس. {وَإِذْ قُلْنا لَكَ} أي: واذكر يا محمد إذ أوحينا إليك {إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ} أي: علمًا وقدرةً فهم في قبضته فامض لأمرك، ولا تخف أحدًا؛ أي: واذكر إذ أوحينا إليك أنّ ربك هو القادر على عباده، وهم في قبضته، وتحت قهره، وغلبته، فلا يقدرون على أمر إلا بقضائه، وقدره، وقد عصمك من أعدائك، فلا يقدرون على إيصال الأذى إليك كما قال {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
وخلاصة ذلك: أن الله ناصرك ومؤيدك حتى تبلّغ رسالته وتظهر دينه قال الحسن: حال بينهم وبين أن يقتلوه، ويؤيّد هذا قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)}.