للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{جَنَّاتِ} نصبًا جمعًا بدلًا من الجنة كما مر آنفًا، وقرأ الحسن، وأبو حيوة، وعيسى بن عمر، والأعمش، وأحمد بن موسى عن أبي عمرو {جنات} رفعًا جمعًا؛ أي: تلك جنات أو الخبر (التي) وقرأ الحسن بن حي وعلي بن صالح {جنة عدن} نصبًا مفردًا، ورويت عن الأعمش، وهي كذلك في مصحف عبد الله، وقرأ اليماني، والحسن، وإسحق الأزرق عن حمزة {جنة عدن} رفعًا مفردًا وقرىء بصرف {عَدْنٍ} ومنعه، على أنها علم لمعنى العدن وهو: الإقامة، أو علم لأرض الجنة، ومعنى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} إلخ؛ أي: لكن (١) من أنابوا إلى ربهم، وأقلعوا عن ذنبهم، وآمنوا باللهِ ورسوله، وأطاعوه فيما أمر به، وأدوا فرائضه، فأولئك يدخلهم ربهم جناته، ويغفر لهم حوباتهم، فالتوبة تجبُّ ما قبلها، كما جاء في الحديث "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".

{وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا}؛ أي: ولا ينقصون شيئًا من ثواب أعمالهم، إذ أفعالهم السابقة ذهبت هباءً، وصارت نسيًا منسيًا بكرم اللطيف الخبير، وعظيم حلمه على عباده،

٦١ - ولما ذكر أن التائب يدخل الجنة .. وصف هذه الجنة بأمورٍ فقال: {جَنَّاتِ عَدْنٍ}؛ أي: هذه الجنة هي جنات إقامة مؤبدة، لا كجنات الدنيا، وجنات عدن علم لجنة مخصوصة، كشهر رمضان، وقد يحذف فيقال: جاء رمضان، وقيل: جنات عدن: علم لدار الثواب جميعًا، والعدن: الإقامة وهو الإنسب بمثل هذا المقام، فإن جنة عدن المخصوصة، وجنة الفردوس لا يدخلها العوام بالأصالة، لأنهما مقام المقربين {الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ}؛ أي: وعدها إياهم حالة كونها متلبسة {بِالْغَيْبِ} عنهم؛ أي: والحال أنها غائبة (٢) عنهم غير حاضرة، أو حالة كونهم غائبين عنها لا يرونها، وإنما آمنوا بها بمجرد الأخبار، والتعرض لعنوان الرحمة للإيذان بأن وعدها وإنجازه لكمال سعة رحمته تعالى، وفي الإضافة في قوله: {عِبَادَهُ} إشارة إلى أن المراد من يعبده مخلصًا له في العبودية، لا يعبد الدنيا، والنفس والهوى، إذ كمال التشريف بالإضافة، إنما يحصل بهذا المعنى، فله جنة عدن المخصوصة {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {كَانَ وَعْدُهُ}؛ أي: موعوده


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.