للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثُم بين ذلك التشابه فقال: {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ}؛ أي: إن بعضهم يأمر بعضًا بالمنكر، وهو كل (١) قبيح عقلًا أو شرعًا كالكذب والخيانة، وإخلاف الوعد، ونقض العهد، كما جاء في الحديث الصحيح: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" رواه الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}؛ أي: وينهى بعضهم بعضًا عن المعروف، وهو كل حسن عقلًا أو شرعًا كالجهاد وبذل المال في سبيل الله للقتال، كما حكى الله تعالى عنهم، بقوله: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}، {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} عن كل خير، من زكاة وصدقة وإنفاق في سبيل الله، والقبض كناية عن الشح، كما أن البسط كناية عن الكرم، واقتصر (٢) من منكراتهم الفعلية في هذه الآية على الامتناع عن البذل؛ لأنه شرها وأضرها وأقواها دلالةً على النفاق، كما أن الإنفاق في سبيل الله أقوى دلائل الإيمان {نَسُوا اللَّهَ}؛ أي: نسوا وتركوا أن يتقربوا إليه بفعل، ما أمر به وترك ما نهى عنه، ولم يكن يخطر ببالهم أن له عليهم حق الطاعة والشكر، واتبعوا أهواءهم ووساوس الشيطان {فَنَسِيَهُمْ}؛ أي: تركهم من رحمته وفضله، والنسيان هنا الترك؛ لأن النسيان الحقيقي لا يصح إطلاقه على الله سبحانه، وإنما أطلق عليه هنا من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان، أو المعنى: فجازاهم على ما فعلوا بحرمانهم من لطفه، وتوفيقه في الدنيا، ومن الثواب في الآخرة.

ثم حكم عليهم بالفسق؛ أي: الخروج عن طاعته إلى معاصيه فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ} الناكبين عن الصراط المستقيم إلى سبل الشيطان {هُمُ الْفَاسِقُونَ}؛ أي؛ الكاملون في الفسق، الذي هو الانسلاخ من كل خير؛ أي: هم أكثر الناس فسوقًا وخروجًا من جميع الفضائل، حتى من الكفار، الذين يعتقدون صحة عقائدهم الباطلة، فهم لا يبلغون مبلغهم في الفسوق والخروج من طاعة الله، والانسلاخ من فضائل الفطر السليمة،

٦٨ - ثم بين سبحانه ما أعدَّ لهم ولأمثالهم


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.