شاهدًا على هؤلاء الذين سمعوا القرآن، وخوطبوا به بما علموا؛ أي: شاهدًا على من آمن بالإيمان، وعلى من كفر بالكفر، وعلى من نافق بالنفاق، والرسول - صلى الله عليه وسلم - بسيرته وأخلاقه العالية وسنته المرضية يكون حجة على من تركها، وتساهل في اتباعها، وعلى من تغالى فيها، وابتدع البدع المحدثة من بعده، أو المعنى: وجئنا بك شاهدًا على صدق هؤلاء الأنبياء الذين شهدوا على أممهم لعلمك بعقائدهم، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم، وقيل: وجئنا بك مزكيًّا معدلًا لأمتك؛ لأن أمته - صلى الله عليه وسلم - يشهدون للأنبياء على قومهم إذ جحدوا البلاغ.
وروى الشيخان والترمذي والنسائي وغيرهم حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إقرأ عليَّ القرآن" فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل! قال: "نعم أحب أن أسمعه من غيري"، قال: فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذد الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)} قال: "حسبك الآن"، قال: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. زاد مسلم:(شهيدًا ما دمت فيهم)، أو قال:(ما كنت فيهم)، شك أحد رواته.
فانظر أيها الأخ الكريم كيف اعتبر بهذه الشهادة الشهيد الأعظم - صلى الله عليه وسلم -، فبكى لتذكر هذا اليوم، وهل نعتبر كما اعتبر؟ وهل نستعد لهول ذلك اليوم باتباع سنته، ونجتهد في اجتناب البدع والتقاليد التي لم تكن في عهده، وبذا نكون أمة وسطًا لا تفريط عندها في الدين، ولا إفراط لا في الشؤون الجسمية، ولا في الشؤون الروحية، أو نظل في غوايتنا تقليدًا للآباء، فنكون كما قال الكافرون:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}.
٤٢ - {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ جئنا من كل أمة بشهيد، {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: يتمنى الذين كفروا بالله ورسوله {وَعَصَوُا الرَّسُولَ}؛ أي: خالفوا رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، فيما أمر به ونهى عنه، {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ}؛ أي: يتمنون لو دفنوا في الأرض، ويهال عليهم التراب، ويسوى عليهم كما يسوى على الموتى، أو يودون أنهم لم يبعثوا، وأنهم كانوا هم والأرض سواء، أو لم يخلقوا، وقال