والمهتدي لا يستويان، فقال:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}؛ أي: هل يستوي أعمى البصيرة الضال عن الصراط المستقيم - الذي دعوتكم إليه - فلم يميز بين التوحيد والشرك، ولا بين صفات الله وصفات البشر، وذو البصيرة المهتدي إليه، المستقيم في سيره عليه بالحجة والبرهان، حتى صار ذلك في مرآة قلبه أوضح مما ترى العينان وتسمع الآذان؟.
والخلاصة: أنهما لا يستويان، كما أن أعمى العينين وبصيرهما لا يستويان.
{أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} الهمزة فيه داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تسمعون الحق فلا تتفكرون فيما أذكر لكم من الحجج، وتتأملون فيه، فتعلموا صحة ما أقول لكم وأدعوكم إليه، وتميزوا بين ضلال الشرك وهداية الإِسلام، وتعقلوا ما في القرآن من ضروب الهداية والعرفان بذلك الأسلوب الرائع الذي لم تعهدوه من قبل، فهل يكون ذلك في مقدوري، وقد لبثت فيكم عمرًا من قبل عاطلًا من هذه المعرفة، وتلك البلاغة الساحرة، وذلك البيان الخلاب؟
٥١ - وبعد أن أمره بتبليغ الناس حقيقة رسالته أمره بإنذار من يخشون الحساب والجزاء، فقال:{وَأَنْذِرْ بِهِ}؛ أي: وخوف يا محمد بما يوحى إليك من القرآن وغيره المؤمنين بالله تعالى {الَّذِينَ يَخَافُونَ} ويخشون {أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} ويرجعوا إليه للمحاسبة والمجازاة، ويخافون أهوال الحشر وشدة الحساب، وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند القدوم على الله في ذلك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)} يوم لا ولي ينصر، ولا شفيع يدفع العذاب إن أريد النجاة منه، بل أمر ذلك متوقف على مرضاة الله تعالى.
قال (١) ابن عباس: المراد بـ {الَّذِينَ يَخَافُونَ}: المؤمنون؛ لأنهم يخافون يوم القيامة وما فيه من شدة الأهوال، وقيل معنى:{يَخَافُونَ}: يعلمون، والمراد