ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسم في وجوههم، وبذل المال لهم؛ لكف أذاهم وصيانة العرض منهم، ولا يعد هذا من الموالاة المنهي عنها، بل هو مشروع، فقد أخرج الطبراني قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما وقى به المؤمن عرضه، فهو صدقة".
وعن عائشة رضي الله عنها: استأذن رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس ابن العشيرة، أو أخو العشيرة، ثم أذن له، فألان له القول"، فلما خرج .. قلت: يا رسول الله قلت ما قلت، ثم ألنتَ له القول، فقال:"يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه" رواه البخاري وروى قوله - صلى الله عليه وسلم - "إنا لنبَشُّ - نبتسم - في وجوه قوم، وإن قلوبنا لتقليهم - تبغضهم" - وقرأ الجمهور:{تُقَاةً}، وأمال الكسائي:{تُقَاةً} و {حق تقاته}، ووافقه حمزة هنا. وقرأ ورش بين اللفظين، وفتح الباقون وقرىء:{تقية}.
{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ}؛ أي: يخوفكم الله {نَفْسَهُ}؛ أي: غضبه وسخطه عليكم؛ بأن ترتكبوا المنهي، أو تخالفوا المأمور، أو توالوا الكفار، فتستحقوا غضبه وعقابه على ذلك كله، فالكلام على حذف مضاف، وفائدة ذكر:{نَفْسَهُ} الإيماء إلى أن الوعيد صادر منه تعالى، وهو القادر على إنفاذه، ولا يعجزه شيء عنه.
وفي ذلك وعيد شديد، وتهديد عظيم لمن تعرض لسخطه بموالاة أعدائه؛ لأن شدة العقاب بحسب قوة المعاقِب وقدرته. {وَإِلَى اللَّهِ} لا إلى غيره {الْمَصِيرُ} والمرجع؛ أي: رجوع جميع الخلائق بالبعث من القبور إلى الله، فيجازي كلًّا على عمله إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، والمعنى: فاحذروه، ولا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه، وموالاة أعدائه، وهو وعيد آخر أيضًا.
٢٩ - {قُلْ} لهم يا محمَّد {إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ}؛ أي: تسروا وتستروا ما في قلوبكم من موالاة الكفار ومودتهم، أو من البغض والعداوة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - إن قلنا: إن الآية نزلت في حق المنافقين واليهود، وإنما ذكر الصدر؛ لأنه وعاء القلب. {أَوْ تُبْدُوهُ}؛ أي: أو تظهروا ما في قلوبكم من مودة الكفار قولًا وفعلًا، أو تظهروا ما في قلوبكم من بغض محمَّد وعداوته بالشتم له والطعن والمحاربة له