للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسابقون الناس إلى تلك الخيرات لينالوا رضا الله تعالى؛ أي: إنهم يرغبون في الطاعات وهم لأجلها سابقون الناس إلى الثواب، لا أولئك الذين أمددناهم بالمال والبنين فظنوا غير الحق أن ذلك إكرام منا لهم، فإن إعطاء المال والبنين والإمداد بهما لا يؤهل للمسارعة إلى الخيرات، وإنما الذي يؤهل للخيرات هو خشية الله وعدم الإشراك به، وعدم الرياء في العمل، والتصديق مع الخوف منه.

وخلاصة ذلك: أن النعم ليست هي السعادة الدنيوية وقيل الحظوظ فيها، بل هي العمل الطيب بإيتاء الصدقات، ونحوها، مع إحاطة ذلك بالخوف والخشية.

٦٢ - {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا} من النفوس {إِلَّا وُسْعَهَا}؛ أي: قدر طاقتها، فقول: لا إله إلا الله، والعمل بما يترتب عليه من الأحكام من قبيل ما هو في الوسع؛ أي: أن (١) سنتنا جارية على أن لا نكلف نفسًا من النفوس إلا ما في وسعها وقدر طاقتها، ومن ثم قال مقاتل: من لم يستطع القيام في الصلاة، فليصل قاعدًا، ومن لم يستطع القعود فليوم إيماء؛ أي: فإن الله تعالى لا يكلف عباده إلا ما في وسعهم، فإن لم يبلغوا في فعل الطاعات مراتب السابقين، فلا عليهم بعد أن يبذلوا طاقتهم.

{وَلَدَيْنَا}؛ أي: وعندنا، عندية رتبة واختصاص. {كِتَابٌ}؛ أي (٢): صحائف أعمال قد أثبت فيها أعمال كل أحد على ما هي عليه {يَنْطِقُ} ذلك الكتاب {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالصدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع؛ أي: يظهر الحق ويبينه للناظر فيه، كما يبينه النطق، ويظهر للسامع، فأعمال العباد كلها مثبتة في صحائفهم، فيقرؤونها حين الحساب، وتظهر فيها أعمالهم التي عملوها في الدنيا دون لبس ولا ريب، ويجازون عليها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ونحو الآية قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)}


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.