{من المقربين} إلى الله في جنة عدن، وهذا الوصف كالتنبيه على أن عيسى سيرفع إلى السماء، وتصاحبه الملائكة {و} حالة كونه {يكلم الناس في} زمن {الْمَهْدِ} والطفولة، وهو في حجر أمه إظهارًا لبراءة أمه مما قذفها به المفترون عليها، وحجة على نبوته؛ حيث قال:{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}، كما سيأتي في سورة "مريم"، وبعد ما تكلم بهذا الكلام .. سكت ولم يتكلم حتى بلغ أوان النطق عادة {و} يكلمهم حالة كونه {كهلا}؛ أي: بالغًا كبيرًا بكلام الأنبياء، والدعوة إلى الله، فهو إشارة إلى نبوته. وزمن الكهولة من الثلاثين سنة إلى الأربعين، وفي وصفه بهذه الصفات المتغايرة إشارة إلى أنه بمعزل عن الألوهية، ففيه ردٌّ على النصارى، كانه قال: لو كان إلهًا كما زعمتم .. ما اعتراه هذا التغير من كونه صبيًّا وكهلًا وغير ذلك.
{و} حالة كونه كائنًا من العباد {الصَّالِحِينَ} ومعدودًا منهم، الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، الذين تعرف مريم سيرتهم؛ مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى، وغيرهم من الأنبياء.
وإنما ختم (١) أوصاف عيسى عليه السلام بكونه من الصالحين، بعدما وصفه بالأوصاف العظيمة؛ لأن الصلاح من أعظم المراتب وأشرف المقامات؛ لأنه لا يسمى المرء صالحًا حتى يكون مواظبًا على النهج الأصلح والطريق الأكمل في جميع أقواله وأفعاله، فلما وصفه الله تعالى بكونه وجيهًا في الدنيا والآخرة، ومن المقربين، وأنه يكلم الناس في المهد وكهلًا .. أردفه بقوله:{وَمِنَ الصَّالِحِينَ}؛ ليكمل له أعلى الدرجات وأشرف المقامات.
٤٧ - {قَالَتْ} مريم لجبريل لما بشرها بالولد، وقيل: تقوله لله عَزَّ وَجَلَّ - {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ}؛ أي: يا سيدي من أين يكون لي ولد {و} الحال أني {لم يمسسني بشر}؛ أي: لم يصبني رجل بالحلال ولا بالحرام؟؛ لأن المحررة لا تتزوج أبدًا كالذكر المحرر.
أي قالت: كيف يكون لي ولد وليس لي زوج؟ وقد يكون مرادها: أيحدث