دخلت على الشافعي في مرض موته، فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلًا وللإخوان مفارقًا ولسوءِ عملي مُلاقيًا ولكأس المنية شاربًا وعلى الله واردًا، فلا أدري أروحي تفسير إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها؟. ثم أنشأ يقول:
٢٩ - وقوله: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩)} معطوف أيضًا على {بَلَغَتِ}؛ أي: والتفّت ساقه بساقه والْتَوت عليها عند قلق الموت. والساق: العضو المعروف، وهي ما بين الركبة والقدم، والتفافهما: اجتماعهما والتواء إحداهما بالأخرى. وعن سعيد بن المسيّب: هما ساقاه حين تلقَّان في أكفانه. وقال زَيْدُ بن أسلم: التفت ساق الكفن بساق الميت. وقيل: ماتت رجلاه، ويبست ساقاه، ولم تحملاه وقد كان جوَّالًا عليهما؛ إذ هما أول ما تخرج الروح منهما، فتبردان قبل سائر الأعضاء. وقال الضحاك: اجتمع عليه أمران شديدان: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه، وبه قال ابن زيد. وقيل: التفت شدة فراق الدنيا بشدّة إقبال الآخرة على أن الساق مثل في الشدّة. وجه المجاز (١) أنَّ الإنسان إذا دهمته شدّة شمر لها عن ساقيه، فقيل للأمر الشديد: ساق مِنْ حيث إن ظهورها لازم لظهور ذلك الأمر، وقد سبق في قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال النابغة الجعدي:
٣٠ - {إِلَى رَبِّكَ} وخالقك أيها الإنسان {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ تقوم القيامة {الْمَسَاقُ}؛ أي: المرجع والمآب، والمراد أنّك إما سائر إلى جنة أو نار. وهذا دالُّ على جواب إذا، وعلى ما تتم به الجملة كما مرّ، تقديره: إذا بلغت التراقي وقيل من راق، والتفت الساق بالساق يحصل المساق يومئذٍ إلى ربك، ويجد كل