هذا: إن قولكم لا نؤمن خوفًا من زوال النعم ليس بحق، بل الإصرار على عدم قبول الإيمان هو الذي يزيل هذه النعم.
{فَتِلْكَ} القرى التي تمرون عليها في أسفاركم إلى الشام، كديار ثمود وقوم شعيب، {مَسَاكِنُهُمْ}؛ أي: مساكن الذين ظلموا - ومنازلهم قد خربت - باقية الآثار، تشاهدونها في ذهابكم وإيابكم، حالة كونها {لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: من بعد هلاكهم {إِلَّا قَلِيلًا} من الزمن للمارة، فإنهم يلبثون فيها يومًا أو بعض يوم للاستراحة والعبرة، ويحتمل (١) أن شؤم معاصي المهلكين بقي أثره في ديارهم، فلم يبق أو يسكنها أو أعقابهم إلا قليلًا، إذ لا بركة في سُكنى الأرض الشؤم، وقال بعضهم: سكنها الهام والبوم، ولذا كان أو تسبيحها سبحان الحي الذي لا يموت، وقيل: لم يُعمر منها إلا أقلها، وأكثرها خراب.
{وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} منهم لتلك المساكن؛ لأنهم، يتركوا وارثًا يرث منازلهم وأموالهم، ولم يخلفوا أحدًا يتصرف تصرفهم في ديارهم وسائر متصرفاتهم، وصار أمرها إلى الله تعالى؛ لأنه الباقي بعد فناء الخلق، والشيء إذا لم يبق له مالك معين قيل أنه ميراث الله؛ لأنه هو الباقي بعد خلقه. ونحو الآية قوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٣)}.
٥٩ - ثم أخبر سبحانه عن عدله، وأنه لا يُهلك أحدًا إلا بعد الإنذار، وقيام الحجة بإرسال الرسل، فقال:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى}؛ أي: وما كانت عادة ربك يا محمد وسنته في كل زمان أن يُهلك أهل القرى قبل الإنذار {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا}؛ أي: في أصلها وكُبْراها التي تلك القرى سوادها وأتباعها، وخص الأصل والكبرى لكون أهلها أفطن وأشرف، والرسل إنما تبعث غالبًا إلى الأشراف، وهم غالبًا يسكنون المدن والقصبات - جمع قصبة - وهي العاصمة.
{رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} الناطقة بالحق، ويدعوهم إليه بالترغيب حينًا