والثانية: أن في إهلاك الأمم الماضية وإنجاء المؤمنين منهم إيقاظًا وانتباهًا ووعدًا ووعيدًا وتأديبًا لهذه الأمة المعتبرين، فاعتبروا بأحوالهم، واجتنبوا عن أفعالهم، وابكوا فهذه ديار الظالمين ومصارعهم، وفقنا الله وإياكم للهدى وعصمنا من أسباب الجهل والردى، وسلمنا من شرور النفوس، فإنها شر العدى، وجعلنا من المنتفعين بوعظ القرآن، والمعتبرين بآيات الفرقان، ما دام الروح في البدن وقام في المقام والوطن.
٧٨ - وبعد أن ذكر قصص قوم لوط .. أتبعه بقصص قوم شعيب - عليهما السلام - فقال:{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} إن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن المحذوف، والأيكة الغيضة، وهي جماع الشجر، أي: وإنه كان أصحاب بقعة الأشجار المجتمعة، وهم قوم شعيب - عليه السلام - وكانوا يسكنونها، وكان عامة أشجارهم الدوم، وقيل الأيكة اسم القرية التي كانوا فيها، وقال أبو عبيدة: الأيكة وليكة مدينتهم كمكة وبكة، {لَظَالِمِينَ} أنفسهم وغيرهم بتكذيبهم رسل الله تعالى؛ أي: إن أصحاب الأيكة كانوا بجبلتهم ظالمين كفارًا، ليس لديهم استعدادٌ للإيمان بالله ورسله، أرسل الله تعالى إليهم وإلى أهل مدين شعيبًا فكذبوه، وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهم شعيبًا عليه السلام".
٧٩ - {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الكفر والمعاصي؛ أي؛ فأهلكناهم وعاقبناهم لما كذبوا شعيبًا، روي أن (١) الله سبحانه وتعالى سلَّط عليهم الحر سبعة أيام، حتى أخذ بأنفاسهم، وقربوا من الهلاك، فبعث الله لهم سحابة كالظلة، فالتجأوا إليها واجتمعوا تحتها، للتظلل بها، فبعث الله عليهم منها نارًا فأحرقتهم جميعًا، فهو عذاب يوم الظلة، ونعم ما قيل، والشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم {وَإِنَّهُمَا}؛ أي: وإن مدينة أصحاب الأيكة ومدينة قوم لوط {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}؛ أي: لبطريق واضح يأتمون به في سفرهم، ويهتدون به في مسيرهم؛ أي: يمر أهل مكة عليهما في سفرهم إلى الشام للتجارة، وقال الفراء والزجاج: سمي الطريق