للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن ذلك بنفي الإضاعة، مع أنَّ عَدَمَ إعطاء الأجر ليس بإضاعة، حقيقة كيف لا والأعمال غيرُ موجبة للثواب، حتى يلزمَ من تخلفه عنها ضياعها لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يمتنع صدوره منه سبحانه من القبائح، وإبرازًا للإثابة في معرض الأمور الواجبة، وهو تعليل للأمر بالصبر.

وعن أبي بكر الوراق قال: طلبنا أربعةَ أشياءَ سنينَ، فوجدناها في أربعة؛ طلبنا رضَى الله تعالى فوجدْنَاه في طاعته، وطلبنا السعة في المعيشة فوجدناها في صلاة الضحى، وطلبنا سلامة الدين فوجدناها في حفظ اللسان، وطلبنا نور القبر فوجدناه في صلاة الليل، فعلى العاقل السعي في طريق الطاعات، وتنوير القلب بنور العبادات، ذكره صاحبُ "الروح". والمعنى؛ أي (١): ووطن نفسَك على احتمال المشقة في سبيل ما أمرت به وما نهيتَ عنه في هذه الوصايا وفي غيرها، فإن الله لا يضيعْ أجرَ مَن أحسنَ عملًا، بل يوفيه ثوابَ عمله من غير بَخْسٍ له. وفي الآية إيماء إلى أنَّ الصبرَ من باب الإحسان.

فائدة: وقد كانت (٢) عادة القرآن على إجراء أكثر خطابات الأوامر على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك قالَ: {فَاسْتَقِمْ} {وَاصْبِرْ} وأكثر خطابات النهي على الأمة، فلذلك قال: {وَلَا تَطْغَوْا}، {وَلَا تَرْكَنُوا} اعتبارًا للأصالة في الاتصاف، والتنزه والاجتناب فافهم.

١١٦ - ولما بيَّن (٣) سبحانه وتعالى ما حلَّ بالأمم الماضية من عذاب الاستئصالَ بيَّن هنا أن السَّبَب في ذلك أمران: الأول: عدم وجود مَنْ ينهى عن الفساد، الثاني: عدم رجوعهم عَمَّا هم فيه فقال: {فَلَوْلَا كَانَ} لولا تحضيضية مضمنة معنى النفي، وكان بمعنى وجد؛ أي: فهلا وجد {مِنَ الْقُرُونِ}؛ أي: من الأمم المهلكة الكائنة {مِنْ قَبْلِكُمْ} قال في "القاموس": القرون جمع قرن، والقرنُ مئة


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الصاوي.