للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيكون وصوله إلى تلك الغايات بعدها كوصول أهل الجنة إليها بعد الموت وأهوال البرزخ، والبعث والنشور، والموقف والحساب والصراط، ومقاساة تلك الأهوال والشدائد، وكما أدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ذلك المدخل العظيم بعد أن أخرجه الكفار ذلك المخرج، ونصره ذلك النصر العزيز بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه، وكذلك ما فعل برسله كنوح وإبراهيم وموسى وهود وصالح وشعيب عليهم السلام، فهو سبحانه وتعالى يوصل إلى الغايات الحميدة بالأسباب التي تكرهها النفوس وتشق عليها كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)}. وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببًا ما مثله سبب، وبالجملة فالغايات الحميدة في خبايا الأسباب المكروهة الشاقة، كما أن الغايات المكروهة في خبايا الأسباب المشتهاة المستلذة، وهذا من حين خلق الله سبحانه الجنة وحفها بالمكاره، والنار وحفها بالشهوات. اهـ.

٩١ - {قَالُوا}؛ أي: قال إخوة يوسف له {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى واختارك وفضلك {عَلَيْنَا} بالعلم والحلم والفضل والعقل والملك {وَإِنْ كُنَّا}؛ أي: وإن الشأن والحال كنا في صنيعنا بك وتفريقنا بينك وبين أخيك {لَخَاطِئِينَ}؛ أي: لآثمين متعمدين للخطيئة غير متقين الله؛ ولا عذر لنا فيها عند الله، ولا عند الناس، وفيه إشعار بالتوبة والاستغفار.

٩٢ - وبعد أن قدموا له المعذرة أجابهم بالصفح عما فعلوا ولذلك {قَالَ} يوسف عليه السلام: {لَا تَثْرِيبَ}؛ أي: لا لوم ولا تعنيف ولا تقريع ولا تعيير {عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}؛ أي: في هذا اليوم الذي هو مظنته، ولكن لكم عندي الصفح والعفو، وهو إذا لم يثرب أول لقائه واشتعال ناره، فبعده أولى. والتثريب (١): تفعيل من الثرب، وهو الشحم الذي يغشي الكرش، ومعناه: إزالة الثرب، فكأن التعيير والاستقصاء في اللوم يذيب جسم الكريم وثربه لشدته عليه كما في "الكواشي". وقال ابن الشيخ: سمي التقريع تثريبًا تشبيهًا له بالتثريب في اشتمال كل منهما على معنى التمزيق، فإن


(١) روح البيان.