٣٤ - ولما رأى فرعون هذه الحجج بادر بالتكذيب والعناد، وذكر لأشراف قومه أمورًا ثلاثة:
١ - {قَالَ} فرعون {لِلْمَلَإِ}؛ أي: لأشراف قومه حال كونه مستقرين {حَوْلَهُ} فهو ظرف وضع موضع الحال، وحول الشيء جانبه الذي يمكنه أن يحول إليه وينقلب كما سيأتي {إِنَّ هَذَا} الرجل يعني موسى {لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}؛ أي: فائق في علم السحر، والسحر تخيلات لا حقيقة لها، فالساحر المحتال المخيل بما لا حقيقة له.
فإن قلت: أسند القول هنا إلى فرعون حيث قال: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ} وأسند في سورة الأعراف إلى الملأ حيث قال: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} فبين الآيتين معارضة، فما وجه الجمع بينهما؟
قلتُ: وجه الجمع بينهما أن فرعون قاله للحاضرين عنده، والحاضرون قالوه للغائبين عنه، فنظر هنا إلى قوله للحاضرين، وهناك إلى قول الحاضرين للغائبين، فبهذا يزول الإشكال. كما في "كشف الأسرار".
والمعنى: أي قال فرعون لرؤساء دولته وأشراف قومه الذين حوله ليروج عليهم بطلان ما يدعيه موسى: إن هذا الرجل لبارع في السحر، حاذق في الشعوذة، ومراده من هذا: أن ما ظهر على يديه إنما هو من قبيل السحر، لا من وادي المعجزات،
٣٥ - ثم هيجهم وحرضهم على مخالفته، والكفر به، والتنفير منه بقوله:
٢ - {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ}؛ أي: من أرض مصر، ويتغلب عليكم {بِسِحْرِهِ}؛ أي: يريد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا السحر، فيكثر أعوانه وأتباعه، ويغلبكم على دولتكم، فيأخذ البلاد منكم.
٣ - {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}؛ أي: فماذا تشيرون به علي في دفعه ومنعه، أو فأي شيء تأمرونني به في شأنه؟ قهره سلطان المعجزة، وحيره حتى حطه عن دعوى الربوبية إلى مقام مشاورة عبيده بعدما كان مستقلًا بالرأي والتدبير، وأظهر