للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فما أشرف الوسيلة، وما أخسَّ المتوسَّل إليه، والذي يَحْملُ على تعلُّم ما لا يليق، وذِكْر ما يجبُ صَوْنُه عنه، إنما هو إيثار الدنيا على الآخرة، والله يقول: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}. وإن أردت معرفة قدرك عند الله تعالى، فانظر إلى أعمالك؛ لأنّ الأعمال علاماتٌ على ذلك، وقد جاء في الخبر: "من سرَّه أن يعرف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله في قلبه، فإن الله يُنزل العبد عنده حيث أنزله العبد من نفسه".

ومعنى الآية: أي ولو أنَّهم آمنوا الإيمان الحق بكتابهم، وفيه البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، والأمر باتّباعه، واتقوا الله بالمحافظة على أوامره واجتناب نواهيه، لكان هذا الثواب العظيم الذي ينتظرونه من الله جزاءً على أعمالهم الصالحة، خيرًا لهم من كلِّ ما يتوقَّعُون من المنافع، والمصالح الدنيوية. {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}؛ أي: إنّهم (١) ليسوا على شيء من العلم الصحيح، إذْ لو كان كذلك لظهرت نتائجه في أعمالهم، ولآمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واتبعوه، وصاروا من المفلحين، لكنهم يتَّبعون الظنَّ، ويعتمدون على التقليد، ومن جرّاء هذا خالفوا الكتاب، وساروا وراء أهوائهم وشهواتهم، فوقعوا في الضلال البعيد.

١٠٤ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبما جاء به (٢)، وهذا النداء وقع في القرآن في ثمانية وثمانين موضعًا، وهذا أوَّل خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة بالنداء الدال على الإقبال عليه، ونداء المخاطبين باسم المؤمنين، يذكرهم بأنَّ الإيمان يقتضي من صاحبه أن يتلقَّى أوامر الله تعالى ونواهيه، ويحسن الطاعة والامتثال. قال أبو حيان (٣): إنَّ أوّل نداءٍ أتى عامًّا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وثاني: نداء أتى خاصًّا {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا} وهي الطائفة العظيمة، اشتملت على الملّتين اليهودية والنصرانية، وثالث نداءٍ لأمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين، فكان أوّل نداء عامًّا أمروا فيه بأصل الإِسلام، وهو عبادة الله، وثاني نداء ذُكّرُوا فيه بالنعم الجزيلة، وتُعِبِّدُوا بالتكاليف الجليلة، وخُوّفوا من حلول النقم الوبيلة،


(١) روح البيان.
(٢) العمدة.
(٣) روح البيان.