للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ربكم، ولا يطلب منهم ما يوجب العتبى، وهي الرضا، وذلك (١) لأن الرضا إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح، والآخرة دار الجزاء لا دار العمل والتكليف، والدنيا مزرعة الآخرة، فكل بذر فسد في الأرض، وبطل استعداده لقبول التربية، ولم يتم أمر نباته إذا حصد وحصل في البيدر، لا يفيده أسباب التربية، لتغيير أحواله، فالأرواح بذور في أرض الأشباح، ومربيها ومنبتها وثمرها أعمال الشريعة بشرط الإيمان، ومفسدها ومبطلها ومغيرها عن أحوالها الكفر وأعمال الطبيعة، والموت حصادها، والقيامة بيدرها.

وحاصل المعنى: أي وخوِّف أيها الرسول هؤلاء المشركين، يوم نبعث من كل أمةٍ شاهدًا عليها بما أجابت داعي الله، وهو رسولها الذي أرسل إليها، إما بالإيمان وطاعة الله، وإما بالكفر والعصيان.

{ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: ثم لا يسمع كلام الكافرين بعد شهادة أنبيائهم، ولا يلتفت إليه، إذ في تلك الشهادة ما يكفي للفصل في أمرهم والقضاء عليهم، والله عليم بما كانوا يفعلون، ولكن في تلك الشهادة تأنيبٌ لهم، وتوبيخ على ما اجترحوا من الفسوق والعصيان والكفر بربهم الذي أنعم عليهم، ونحو الآية قوله: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)}.

{وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}؛ أي: ولا يطلب منهم أن يزيلوا عتب ربهم؛ أي: غضبه بالتوبة وصالح العمل، فالآخرة دار جزاءٍ لا دار عملٍ، والرجوع إلى الدنيا ما لا يكون بحال.

٨٥ - {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم بالكفر {الْعَذَابَ}؛ أي: العذاب الذي يستوجبونه بظلمهم، وهو عذاب جهنم بعد شهادة الشهداء عليهم .. صاحوا وطلبوا من مالك الخازن تخفيف العذاب، {فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ} ذلك العذاب بعد الدخول {وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}؛ أي: لا يمهلون قبله ليستريحوا، فعذابهم يكون دائمًا لأن التوبة هناك غير موجودة.


(١) روح البيان.