٧٠ - قوله:{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} كلام مستأنف لبيان بعض أفعالهم الخبيثة؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أخذنا العهد المؤكد باليمين من بني إسرائيل في التوراة على أن يقروا بالتوحيد، ويعملوا سائر الأحكام المكتوبة عليهم في التوراة {وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا} ذوي عدد كثير ليقرروهم على مراعاة حقوق الميثاق، ويعرفوهم بالشرائع وينذروهم. وقوله:{كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ} جملة (١) شرطية وقعت جوابًا لسؤال مقدر ناشىء من الإخبار بإرسال الرسل، كأنه قيل: ماذا فعلوا بالرسل؟ وجواب {كُلَّمَا} محذوف والتقدير: كلما جاءهم رسول من أولئك الرسل بما لا تحبه أنفسهم المنهمكة في الغي من الشرائع ومشاق التكليف. . عصوه وعادوه وقوله:{فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} جملة (٢) مستأنفة أيضًا واقعة في جواب سؤال مقدر ناشىء عن الجواب الأول، كأنه قيل: كيف فعلوا بتلك الرسل؟ فقيل: فريقًا منهم كذبوهم ولم يتعرضوا لهم بشيء من المضار، بل اكتفوا فيهم بالتكذيب، كعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم، وفريقًا آخر منهم لم يكتفوا فيهم بالتكذيب، بل قتلوهم، كزكريا، ويحيى عليهما السلام، وقصدوا أيضًا قتل عيسى وإن كان الله منعهم عن مرادهم وهم يزعمون أنهم قتلوه، فذكر (٣) التكذيب بلفظ الماضي إشارة إلى معاملتهم مع موسى عليه السلام، فإنهم كذبوه في كل مقام، وتمردوا على أوامره، لأنَّه قد انقضى من ذلك الزمان أدوار كثيرة، وذكر القتل بلفظ المضارع إشارة إلى معاملتهم مع زكرياء ويحيى وعيسى عليهم السلام، لكون ذلك الزمان قريبًا، فكان كالحاضر، ومحافظة للفاصلة، والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى قد أخذ عليهم العهد في التوراة بتوحيده، واتباع الأحكام التي شرعها لهدي خلقه، وتحليهم بحلى الفضائل ومكارم الأخلاق، وقد نقضوا هذا الميثاق كما تقدم في أول السورة، وعاملوا الرسل تلك المعاملة، وهو أنه كلما جاءهم رسول بشيء لا تهواه أنفسهم عاملوه بأحد الأمرين، إما بالتكذيب المستلزم للأعراض والعصيان،