للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتقديم الظرف فيهما للاختصاص، كما سيأتي في مبحث البلاغة، وللدلالة على أنهم أحقاء بغضب الله وعذابه العظيم، لاختصاصهم بعظيم الجرم وهو الارتداد.

ومعنى الآية: أي إنَّ من (١) كفر بالله بعد الإيمان والتبصر .. فعليه غضب من الله، إلا إذا أكره على ذلك وقلبه مليءٌ بالإيمان بالله، والتصديق برسوله، فلا تثريب عليه، كما فعل عمار بن ياسر.

{وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؛ أي: ولكن غضب الله وشديد عقابه لمن طابت أنفسهم بالكفر، واعتقدوه طائعين مختارين، لعظيم جرمهم وكبير إثمهم.

١٠٧ - ثم بين سبب هذا الغضب فقال: {ذَلِكَ} الغضب من الله والعذاب العظيم {بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ}؛ أي: سبب أنهم آثروا الحياة الدنيا وزينتها على نعيم الآخرة، {و} بسبب {أن الله} سبحانه وتعالى {لَا يَهْدِي} إلى الإيمان، وإلى ما يوجب الثبات عليه هداية قسر وإلجاء {الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} في علمه المحيط، فلا يعصمهم (٢) من الزيغ وما يؤدِّي إليه من الغضب والعذاب العظيم، ولولا أحد الأمرين: إما إيثار الحياة الدنيا على الآخرة، وإمَّا عدم هداية الله تعالى للكافرين هداية قسر، بأن آثروا الآخرة على الدنيا، أو بأن هداهم الله تعالى هداية قسر .. لما كان لذلك الغضب العظيم، والعذاب الشديد، لكن الثاني مخالف للحكمة، والأول مما لا يدخل تحت الوقوع.

أي: وبسبب أنَّ الله لا يوفق من يجحد آياته، ويصر على إنكارها، لأنه قد فقد الاستعداد لسبل الخير، بما زينت له نفسه، وسولت له من عظيم الجرم وكبير الإثم، فأصبح قلبه مليئًا بما يشغله عن دواعي الإيمان بما يمليه عليه الشيطان

١٠٨ - {أُولَئِكَ} الموصوفون بما ذكر من القبائح هم {الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} وختمها بخاتم الرين والضلال، فلا يؤمنون ولا يهتدون {و} طبع على {سَمْعِهِمْ} وأصمه، فلا يسمعون داعي الله إلى الهدى، {و} على {أبصارهم}


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.