جعل الله لهم الحق فيها بالسوية، وإن كره ذلك بعض المتنازعين فيها ممن كانوا يرون أنّهم أحق بها، كما يكرهون إخراج ربك إياك من بيتك بالحق للقاء إحدى الطائفتين من المشركين، وقد كان كثير من المؤمنين كارهين لذلك، لعدم استعدادهم للقتال، ولقلة عددهم، وقلة سلاحهم، وكثرة عدوهم وسلاحهم،
٦ - {يُجادِلُونَكَ}؛ أي: يجادلك يا محمد المؤمنون وينازعونك {فِي الْحَقِّ}؛ أي: في القتال وتلقي النفير لإيثارهم عليه تلقي العير كراهية للقاء المشركين، وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم {بَعْدَ ما تَبَيَّنَ}؛ أي: بعد أن ظهر لهم الحق الذي هو القتال بإخبارك أنّهم سينصرون أينما توجهوا، وبعد ما أمرت به، ويقولون: ما كان خروجنا إلا للعير، وهلا قلت لنا وأخبرته أولا لنستعد ونتأهب له، وما كان هذا إلا لكراهتهم للقتال، إذ أنّهم كانوا في حال ضعف، فكان من حكمة الله أو وعدهم أولا إحدى طائفتي قريش تكون لهم على طريق الإبهام لا على طريق التعيين، فتعلقت آمالهم بطائفة العير القادمة من الشام؛ لأنّها كسب عظيم لا مشقة في إحرازه لضعف الحامية، فلما ظهر لهم أنّها فاتتهم ونجت - إذ ذهبت من طريق سيف البحر، طريق الشاطىء - وأن طائفة النفير خرجت من مكة بكل ما لدى قريش من قوة، وأنّها قد قربت منهم، ووجب عليهم قتالها، إذ تبين أنّها هي الطائفة التي وعدهم الله تعالى بالنصر عليها .. صعب على بعضهم لقاؤها على قلتهم وكثرتها، وضعفهم وقوتها، وعدم استعدادهم للقتال كاستعدادها، وطفقوا يعتذرون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم بأنّهم لم يخرجوا إلا للعير؛ لأنّه لم يذكر لهم قتالا فيستعدوا له.
ولكن الحق تبين بحيث لم يبق للجدل فيه وجه .. فلا ينبغي أن يقال: إنّ طائفة العير هي مراد الله؛ لأنّها نجت، ولا بأن يقال: إننا لم نعد للقتال عدته؛ لأنّه مهما تكن حالها فلا بد من الظفر بها لوعد الله به، فإذا لا وجه للجدل إلا الجبن والخوف من القتال، وقرأ عبد الله {بعد ما بين} بضم الباء من غير تاء، وفي قوله:{بَعْدَ ما تَبَيَّنَ} إنكار عظيم عليهم؛ لأن من جادل في شيء لم يتضح .. كان أخف عتبا، أما من نازع في أمر واضح .. فهو جدير باللوم والإنكار.