مباهلته، كأنه يقول لهم: لا تعجلوا، وتَأَنَّوا؛ لعله أن يظهر لكم الحق، فلذلك أتى بحرف التراخي.
قوله:{فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ} هذه (١)، والتي في النور في قوله:{والخامسة أن لعنت الله عليه}، يكتبان بالتاء المبسوطة، وما عداهما بالهاء على الأصل.
٦٢ - {إنَّ هَذَا} المذكور الذي ذكرته لك يا محمَّد من الدلائل التي دلت على أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم ولم يكن إلهًا، ولا ولده، ولا شريكه، ومن الدعاء إلى المباهلة مع وفد نجران {لَهُوَ اَلقَصَصُ الْحَقُّ}؛ أي: لهو الخبر الصدق، والقول الحق الذي لا شك فيه دون أكاذيب النصارى، وافتراء اليهود {وَمَا مِنْ إِلَهٍ} بلا شريك، ولا ولد، ولا زوجة {إِلَّا اللَّهُ} سبحانه وتعالى. {وَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَهُوَ الْعَزِيزُ}؛ أي: الغالب الذي لا يُمنع، القادر على جميع المقدورات {الْحَكِيمُ}؛ أي: العالم بجميع المعلومات، وبجميع عواقب الأمور، فذكر العزيز الحكيم ها هنا إشارة إلى الجواب عن النصارى في الشبهتين لعيسى: القدرة على الإحياء ونحوه، وإخبار الغيوب؛ أي: لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة، والحكمة البالغة، ليشاركه في الإلهية.
٦٣ - {فَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: فإن أعرضوا عن اتباعك وتصديقك، ولم يقبلوا عقيدة التوحيد التي جئت بها، ولم يجيبوك إلى المباهلة .. {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عليم بـ} حال {المفسدين} في الدين، ونياتهم، وأغراضهم الفاسدة، فيجازيهم بخبيث سرائرهم وسيىء أعمالهم.
وخلاصة المعنى: فإن أبوا عن قبول الحق، وأعرضوا عما وصفت من أن الله هو الواحد، وأنه يجب أن يكون عالمًا قادرًا على جميع المقدورات، عالمًا بالنهايات، محيطًا بالمعلومات، مع اعترافهم بأن عيسى لم يكن كذلك، ومع قولهم: إن اليهود قتلوه .. فاعلم أن إباءهم وإعراضهم ليس إلا على سبيل العناد، فاقطع كلامك عنهم، وفوض أمرهم إلى الله، فإن الله عليم بفساد المفسدين،