للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْخَالِيَةِ (٢٤)}.

١٧ - ثم فصّل ما أحسنوا فيه، فقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) أي: كانوا يهجعون من الليل هجوعًا قليلًا ما؛ أي: كانوا ينامون القليل من الليل، ويتهجّدون في معظمه، والهجوع (١): النوم بالليل دون النهار. و {مَا}، مزيدة لتأكيد معنى القلة، فإنها تزاد لإفادة التقليل كما في قولك: أكلت أكلًا ما، و {قَلِيلًا}: ظرف و {يَهْجَعُونَ}: خبر {كَانُوا}؛ أي: كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل، أو صفة مصدر محذوف؛ أي: كانوا يهجعون هجوعًا قليلًا من أوقات الليل وساعاته؛ يعني: يذكرون، ويصلّون أكثر الليل، وينامون أقلّه، ولا يكونون مثل البطّالين الغافلين النائمين إلى الصباح، ويجوز (٢) أن تكون {مَا} مصدرية، أو موصولة؛ أي: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما تأتي عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلا يصلّون فيها شيئًا، إما من أوّلها، أو من وسطها، وقال الحسن البصري: كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقلّه، وربما نشطوا فجدوا إلى السحر، وعن أنس قال: كانوا يصلّون بين المغرب والعشاء.

١٨ - {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) أي: يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم، والسحر: السدس الأخير من الليل؛ لاشتباهه بالضياء كالسحر يشبه الحق وهو باطل؛ أي: هم مع قلّة هجوعهم، وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار في الأسحار، كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم وفي بناء (٣) الفعل على الضمير المفيدة للتخصيص إشعار بأنهم الأحقاء بأن يوصفوا بالاستغفار، كأنهم المختصّون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه، وفي "بحر العلوم": تقديم الظرف للاهتمام به، ورعاية الفاصلة.

أي: فهم يحيون الليل متهجّدين، فإذا أسحروا .. أخذوا في الاستغفار،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.