{و} في {أكلهم} وأخذهم {السُّحْتَ} والحرام، كالرشا وكل ما يعود على فاعله بالضرر في الدين والدنيا، فهم غارقون في الإثم والعدوان، فكلما قدروا عليهما ابتدروهما ولم يتأخروا عن ارتكابهما، ثم بالغ في قبح هذه الأعمال فقال وعزتي وجلالي:{لَبِئْسَ} وقبح {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: لبئس شيئًا كانوا يعملونه عملهم هذا؛ أي: وعزتي وجلالي ما أقبح هذا العمل الذي يعمله هؤلاء من مسارعتهم في كل ما يفسد الأخلاق، ويدنس النفوس، ويقوض نظم المجتمع، وويل للأمة التي يعيش فيها أمثال هؤلاء، فهلا نهاهم علماؤهم وزهادهم وعبادهم عن أفعالهم بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر قبل أن يستفحل ويتفاقم الشر ويعم الضرّ وإلى هذا أشار بقوله:
٦٣ - {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ} وكلمة لولا حرف تحضيض وتوبيخ لعلمائهم وعبادهم على تركهم النهي عن المنكر؛ أي: هلا يمنعهم الربانيون؛ أي: السياسيون الذين هم أئمتهم في التربية والسياسة أو العباد {وَالْأَحْبَارُ}؛ أي: العلماء في الدين؛ أي: هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون فيما ذكر من المعاصي عبادهم وعلماؤهم {عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ}؛ أي: الشرك والكذب {و} عن {أكلهم} وأخذهم {السُّحْتَ} والحرام والله {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقبح شيئًا كان الربانيون والأحبار يصنعونه من الرضى بهذه الأوزار والخطايا، وتركهم فريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر مع علمهم بقبحهما ومشاهدتهم لمباشرتهم لهما.
روي عن ابن عباس أنَّه قال: ما في القرآن آية أشد توبيخًا من هذه الآية.
وقال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها، يريد ابن عباس أنها حجة على العلماء، إذا هم قصروا في الهداية والإرشاد، وتركوا النهي عن الشرور والآثان التي تفسد نظم الحياة للفرد والمجتمع، فحق على العلماء والحاكم أن يعتبروا بهذا النعي على اليهود، ساسة وعلماء ومر بين فيزدجروا ويعلموا أن هذه موعظة وذكرى لهم إن نفعت الذكرى. فقوله:{لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} أبلغ من قوله: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لأن (١) العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه