للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ}؛ أي: وعظك وتذكيرك وتخويفك إيانا من العذاب وعدم وعظك سواء عندنا؛ أي: مستوٍ عندنا، لا نبالي بشيء منه، ولا نلتفت إلى ما تقوله ولا نسمعه.

والمعنى (١): أي هون عليك، وأرح نفسك، فكل هذا تعب ضائع، وجهاد في غير عدو، وضرب في حديد بارد، فإنا لن نرجع عما نحن عليه، وقد حكى الله سبحانه قولهم في سورة هود: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}.

وعادل (٢) {أَوَعَظْتَ} بقوله: {أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} وإن كان قد يعادله: أم لم تعظ، كما قال: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا}؛ لأجل الفاصلة، كما عادلت في قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ}، ولم يأت التركيب: {أم صمتم}، وكثيرًا ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه. وقال الزمخشري: بينهما فرق؛ يعني بين ما جاء في الآية وبين: أم لم تعظ؛ لأن المراد: سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلًا من أهله ومباشريه، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك أم لم تعظ.

وقرأ الجمهور: {وعظت} بإظهار الظاء، وروي عن أبي عمرو والكسائي وعاصم إدغام الظاء في التاء، وبالإدغام قرأ ابن محيصن والأعمش، إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول، فقرأ: {أوعظتنا}.

١٣٧ - ثم ذكروا السبب في أن الوعظ وعدمه سواء بقولهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)} قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة (٣): {خُلُقُ} بضمتين، والمعنى عليه: أي ما هذا الذي جئتنا به من الكذب إلا عادة الأولين، كانوا يسطرونه، أو ما هذا الدين الذي نحن عليه إلا دين الأولين من الآباء والأجداد، فنحن سالكون سبيلهم، مقتدون بهم، أو ما هذا الذي نحن عليه من الموت والحياة، والبلاء


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.