للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وغيرهم من الناس الذين عبدوا الكواكب والنجوم، وزعموا أنهم بعبادتهم إياها يقصدون الله، فنهوا عن تلك الواسطة، فهذا وجه تخصيص ذكر السجود بالنهي عنه. وقيل: وجه تخصيصه أنه أقصى مراتب العبادة {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ} تعالى لا غيره {تَعْبُدُونَ}؛ أي: إن كنتم تعبدون إياه .. لا تسجدوا لغيره، فإن السجود أقصى مراتب العبادة، فلا بدّ من تخصيصه به تعالى.

فإن قيل (١): لِمَ لَمْ يجز أن تكون الشمس قبلةً للناس عند سجودهم؟.

قلنا: لأنها جوهر مشرق عظيم الرفعة، لها منافع في صلاح أحوال الخلق، فلو أذن في جعلها قبلةً في الصلاة، بأن يتوجّه إليها، ويرجع ويسجد نحوها .. لربما غلب على بعض الأوهام أن ذلك الركوع والسجود للشمس لا لله، بخلاف الأحجار المعيّنة، فإنها ليس في جعلها قبلةً ما يوهم الإلهية.

٣٨ - {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا}؛ أي: تعظموا عن امتثال أمرك في ترك السجود لغير الله تعالى، وأبوا إلا اتخاذ الواسطة، فذلك لا يققل عدد من يخلص عبادته لله تعالى، وقوله: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} علة للجزاء المحذوف؛ أي: فإن الملائكة المقربين عند الله {يُسَبِّحُونَ لَهُ}؛ أي: ينزهونه عن الأنداد وسائر ما لا يليق به {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}؛ أي: دائمًا وفي جميع الأوقات، وظهر من هذا التقرير أن تخصيص الملائكة مع وجود غيرهم من العبّاد المخلصين؛ لكثرتهم، وأيضًا الشمس والقمر عندهم، فيردّون العبادة عنهما غيرةً بتخصيصها بالله تعالى {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}؛ أي: والحال أن الذين عند ربك لا يملُّون عن عبادته وتسبيحه، ولا يفترون عنهما، فإن التسبيح منهم كالتنفس منا.

ومعنى الآية (٢): فإن استكبر هؤلاء المشركون الذين يعبدون هذه الكواكب، وأبوا إلا أن يسجدوا لها وحدها دون الله .. فالله لا يعبأ بهم، فالملائكة الذين في حضرة قدسه، وهم خير منهم لا يستكبرون عن عبادته، بل يسبِّحون له ويصلّون ليلًا ونهارًا وهم لا يَفْتَرون عن ذلك ولا يملُّون.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.