ويسوقونه إلى البلد الذي لا مطر فيه، أو الذين يزجرون العباد عن المعاصي، أو الشيطان عن الوسوسة والإغواء، وعن استراق السمع زجرًا بليغًا.
٣ - وقوله: فَالتَّالِياتِ معطوف أيضًا على ما قبله. وقوله:{ذِكْرًا} مفعول {التاليات}؛ أي: فأقسمت بالملائكة الذين يتلون ذكرًا عظيم الشأن، من آيات الله وكتبه المنزلة على الأنبياء عليهم السلام، وغيرهما من التسبيح والتقديس والتحميد والتمجيد، أو المراد بالمذكورات: نفوس العلماء، العمال، الصافات أنفسها في صفوف الجماعات، وأقدامها في الصلاة الزاجرات بالمواعظ، والنصائح التاليات، آيات الدارسات شرائعه وأحكامه، أو طوائف الغزاة، الصافات أنفسهم في مواطن الحرب، كأنهم بنيان مرصوص، أو طوائف قوادهم، الصافات لهم فيها الزاجرات الخيل للجهاد سوقًا، والعدو في المعارك طردًا، التاليات آيات الله وذكره وتسبيحه في تضاعيف ذلك، لا يشغلهم عن الذكر مقابلة العدو. وذلك لكمال شهودهم وحضورهم مع الله. وفي الحديث:«ثلاثة أصوات يباهي الله بهن الملائكة: الأذان، والتكبير في سبيل الله، ورفع الصوت بالتلبية».
وهذه الصفات إن أجريت على الكل فعطفها بالفاء، للدلالة على ترتيبها في الفضل، إما بكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة، فيكون من باب الترقي، أو على العكس، فيكون من باب التدلي. وإن أجريت كل واحدة منهن على طوائف معينة، فهو للدلالة على ترتيب الموصوفات في مراتب الفضل، بمعنى: أن طوائف الصافات ذوات فضل، والزاجرات أفضل، والتاليات أبهر فضلا أو على العكس. وفي تفسير الشيخ وغيره: وجاء بالفاء، للدلالة على أن القسم بمجموع المذكورات. وفي «الصاوي»(١): الفاء للترتيب في الوجود الخارجي؛ لأن مبدأ الصلاة الاصطفاف، ثم يعقبه زجر النفس، ثم يعقبه التلاوة، وهكذا. ويحتمل أنها للترتيب في المزايا، ثم هو إما باعتبار الترقي، فالصافات ذوات فضل، فالزاجرات أفضل، فالتاليات أكثر فضلًا أو باعتبار التدلي، فالصافات أعلى ثم الزاجرات ثم التاليات، وكل صحيح، انتهى.