للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وساوسه، التي ربما جرتهم إلى الوقوع في صغائر الآثام إذا وقعت على سبيل الندرة أو الغفلة.

ولما أمر (١) القارئ بأن يسأل الله تعالى أن يعيذه من وساوسه، وتوهم منه أن له تسلطًا وولايةً على إغواء بني آدم كلهم .. بيَّن الله تعالى أن لا تسلط له على المؤمنين المتوكلين، فقوله: {إِنَّهُ} إلخ في معرض التعليل للأمر بالاستعاذة، وإشار إلى أن مجرد القول لا ينفع، بل لا بد لمن أراد أن لا يكون للشيطان سبيل عليه أن يجمع بين الإيمان والتوكل.

١٠٠ - والفريق الثاني الذين عناهم بقوله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ}؛ أي: تسلطه بالغواية والضلالة، وغلبته بدعوته المستتبعة للاستجابة، لا سلطانه بالقسر والإلجاء، فإنه مُنْتَفٍ عن الفريقين، لقوله تعالى حكايةً عنه: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} وقد أفصح عنه قوله تعالى: {عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ}؛ أي: إنما تسلطه وغلبته على الذين يتخذونه وليًّا، ويجعلونه ناصرًا لهم، فيحبونه ويطيعونه، ويستجيبون دعوته، {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ}؛ أي: بسبب إغوائه وإضلاله {مُشْرِكُونَ}؛ أي: يشركون بربهم غيره في العبادة والطاعة، وقيل: الضمير في {بِهِ} عائد إلى الله؛ أي: والذين هم مشركون به تعالى غيره من الأصنام وسائر معبوداتهم.

١٠١ - {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ}؛ أي: وإذا أنزلنا آية من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلًا منها بأن نسخناها {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} من (٢) التغليظ والتخفيف في مصالح العباد، وما الشرائع إلا مصالح للعباد في المعاش والمعاد، فالمصالح تدور وهذه الجملة معترضة، لاعتراضها بين الشرط، وهو {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً} وجوابه وهو {قَالُوا} لتوبيخ الكفرة على كونهم ينسبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الافتراء في التبديل، وللتنبيه على فساد رأيهم؛ أي: والله أعلم بما ينزل أولًا وآخرًا من الأحكام والشرائع، التي هي مصالح، ورب شيء يكون مصلحةً في وقت يكون مفسدةً في وقت آخر، فينسخه ويثبت مكانه ما يكون مصلحة لخلقه؛


(١) روح البيان.
(٢) المراح.