للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتبعه البيضاوي، وأبو السعود، وقال الجمهور: المراد بالتي هي أحسن: المحاورة الحسنة بحسب المعنى، والرحمة الإنجاء من كفار مكة، وأذاهم، والتعذيب تسليطهم عليهم، فيكون الخطاب في ربكم للمؤمنين.

ثم وجّه خطابه إلى أعظم الخلق ليكون من دونه أسوة له فقال: {وَما أَرْسَلْناكَ} يا محمد رقيبا {عَلَيْهِمْ} حفيظًا لأعمالهم {وَكِيلًا} عليهم؛ أي موكولًا إليك أمورهم، ومفوّضًا إليك شؤونهم تجبرهم على الإيمان؛ أي: وما أرسلناك أيها الرسول حفيظا ورقيبا تقسر الناس على ما يرضي الله، وإنما أرسلناك بشيرًا ونذيرًا، فدارهم ولا تغلظ عليهم، ومر أصحابك بذلك، فإن ذلك هو الذي يؤثّر في القلوب، ويستهوي الأفئدة،

٥٥ - ثم انتقلَ من علمه تعالى بهم إلى علمه بجميع خلقه، فقال: {وَرَبُّكَ} يا محمد {أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: بأحوالهم الظاهرة والباطنة، فيختار منهم لنبوته والفقه في دينه، من يراه أهلا لذلك، ويفضل بعضهم على بعض لإحاطة علمه، وواسع قدرته، ونحو الآية قوله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} وهذا أعم من قوله: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} لأنّ هذا يشمل كل ما في السموات والأرض من مخلوقاته، وذلك خاص ببني آدم أو ببعضهم.

وفي هذا: ردٌّ عليهم حين قالوا: يبعد كل البعد أن يكون يتيم أبي طالب نبيا، وأن يكون أولئك الجوع العراة كصهيب، وبلال، وخباب، وغيرهم أصحابه دون الأكابر، والصناديد من قريش، ولا يجوز (١) إطلاق لفظ يتيمٍ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لإشعاره بالتحقير حتى أفتى بعض المالكية بقتل قائله كما في «الشِّفاء» وفي ذكر (٢) من في السموات ردّ لقولهم: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} وفي ذكر من في الأرض ردّ لقولهم: {لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}؛ أي: من إحدى القريتين مكة والطائف كالوليد بن المغيرة المخزومي، وعروة بن مسعود الثقفي، وقيل غيرهما.


(١) المراح.
(٢) روح البيان.