للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واللعن في الدنيا والآخرة، فكذا المؤذي للمؤمن.

روي: أن رجلًا شتم علقمة رضي الله عنه، فقرأ هذه الآية. وعن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه فقال: "رأيت الليلة عجبًا، رأيتُ رجالًا يعلقون بألسنتهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا".

وفي الحديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" بأن لا يتعرض لهم بما حرم من دمائهم وأموالهم وأعراضهم، قدَّم اللسان في الذكر؛ لأن التعرض به أسرع وقوعًا وأكثر، وخص اليد بالذكر؛ لأن معظم الأفعال يكون بها. واعلم أن المؤمن إذا أوذي يلزم عليه أن لا يتأذى، بل يصبر، فإن له فيه الأجر، فالمؤذي لا يسعى في الحقيقة إلا في إيصال الأجر إلى من آذاه، ولذا ورد: "وأحسن إلى من أساء إليك"، وذلك لأن المسيء وإن كان مسيئًا في الشريعة، لكنه محسن في الحقيقة.

وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه

"أيُّ الربا أربى عند الله؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أربى الربا عند الله استحلال عرض امرىءٍ مسلم، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} ".

والمعنى: أي إن الذين ينسبون إلى المؤمنين والمؤمنات ما لم يعملوه، وما هم منه براء قد اجترحوا كذبًا فظيعًا، وأتوا أمرًا إدًّا، وذنبًا ظاهرًا، ليس له ما يسوغه أو يقوم مقام العذر له.

٥٩ - ولما فرغ سبحانه من الزجر لمن يؤذي رسوله والمؤمنين والمؤمنات من عباده .. أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يأمر بعض من ناله الأذى ببعض ما يدفع ما يقع عليه منه، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} الكريم {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ}؛ أي: نسائك، وكانت تسعًا حين توفي - صلى الله عليه وسلم -، وهن: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وسودة، وزينب، وميمونة، وصفية، وجويرية، وقد سبق تفاصيلهن نسبًا وأوصافًا وأحوالًا، وقد نظمها بعضهم بقوله:

تُوُفِّيْ رَسُوْلُ اللهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ ... إِلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمَكْرُمَاتُ وَتُنْسَبُ