للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفرعون أول من صلب، وأقسم فرعون على ذلك، وهو فعل نفسه، وعلى فعل غيره، وهو قوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا ...} إلخ، فإن قيل (١): مع قرب عهده بانقلاب العصا حيةً، وقصدها ابتلاع قصره، واستغاثته بموسى من شرها، كيف يُعقل أن يهدد السحرة إلى هذا الحد، ويستهزىء بموسى؟

قلنا: يجوز أن يكون في أشد الخوف، ويُظهر الجلادة، تمشيةً لناموسه، وترويجًا لأمره، والاستقراء يوقفك على أمثاله. {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا}؛ أي: أييّ وأيّ موسى {أَشَدُّ عَذَابًا}؛ أي: ولتعلمن جواب أينا أشد عذابًا؛ أي: هل أنا أشد عذابًا على إيمانكم به، أو موسى أشد عذابًا على ترك الإيمان به، ومراده بالأشد عذابًا نفسه {وَأَبْقَى}؛ أي: أدوم عذابًا، وموسى لم يكن في شيء من التعذيب، إلا أن فرعون ظن السحرة خافوا من قبل موسى على أنفسهم، حين رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم، فقال ما قال، وعلى ما سبق من "بحر العلوم" في {آمَنْتُمْ لَهُ} يكون المراد بـ {أَيُّنَا} نفسه ورب موسى؛ أي (٢): ولتعلمن أنا أو إله موسى أشد عذابًا وأبقى، وفي ذلك إيماء إلى اقتداره وقهره، وبيان ما ألفه وضري به من تعذيب الناس بأنواع العذاب، كما فيه تحقير لشأن موسى، واستضعاف له مع السخرية منه،

٧٢ - ثم لما صال عليهم بذلك، وتوعدهم .. هانت عليهم أنفسهم في الله فـ {قالوا}؛ أي: السحرة، غير مكترثين بوعيده: {لَنْ نُؤْثِرَكَ}؛ أي: لن نختارك بالإيمان والاتباع {عَلَى مَا جَاءَنَا} من الله على يد موسى {مِنَ الْبَيِّنَاتِ}؛ أي: من المعجزات الظاهرة، التي لا شبهة في حقيَّتها، كاليد والعصا، وكان من استدلالهم أنهم قالوا: لو كان هذا سحرًا .. فأين حبالنا وعصينا، وقيل (٣): إنهم أرادوا بالبينات ما رأوه من سجودهم من المنازل المعدة لهم في الجنة.

وفي هذا: إشارة إلى أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان بموسى،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.