للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لك، وحسن مآب معطوف عليها.

٣٠ - {كَذَلِكَ}؛ أي: مثل إرسالنا الرسل إلى أممهم قبلك وإعطائنا إياهم كتبًا تتلى عليهم {أَرْسَلْنَاكَ} وبعثناك يا محمَّد {فِي أُمَّةٍ}؛ أي: إلى جماعة كثيرة. فـ {فِي} (١) هنا بمعنى: إلى، كما في قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}. وفي "بحر العلوم" وإنما عدى الإرسال بـ {فِي} وحقه أن يعدى بإلى؛ لأن الأمة موضع الإرسال؛ أي: أرسلناك إلى أمة {قَدْ خَلَتْ} مضت وتقدمت {مِنْ قَبْلِهَا}؛ أي: من قبل هذه الأمة التي أرسلناك إليها، فالضمير عائد على أمة باعتبار لفظها {أُمَمٌ}؛ أي: قد مضت من قبل هذه الأمة أمم كثيرة وقرون عديدة قد أرسلنا إليهم رسلنا من قبلك، فليس ببدع إرسالك إلى أمتك، فكيف ينكرون رسالتك، ثم علل الإرسال، فقال: {لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ}؛ أي: على أمتك، فالضمير راجع إلى {أُمَّةٍ} باعتبار معناها، ولو عاد إلى لفظها، لقال: لتتلو عليها؛ أي: أرسلناك إليهم لكي تقرأ على تلك الأمة الكتاب العظيم {الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} وهو القرآن وما فيه من شرائع الإِسلام وتزينهم بحلية الإيمان، فإن المقصود (٢) من نزول القرآن هو العمل بما فيه، وتحصيل السيرة الحسنة لا التلاوة المحضة والاستماع المجرد، فالعامي المتعبد راجل سالك، والعالم المتهاون راكب نائم. وجملة قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} حال من {أُمَّةٍ}؛ أي: أرسلناك إلى أمة قد خلت من قبلها أمم، والحال أنهم؛ أي: أن أمتك يكفرون وينكرون باللهِ الواسع الرحمة، ولا يعرفون قدر رحمته وإنعامه عليهم بإرسالك وإنزال الكتاب العظيم عليهم، والضمير في {وَهُمْ} عائد على {أُمَّةٍ} من حيث المعنى، ولو عاد على لفظها لكان التركيب: وهي تكفر بالرحمن. اهـ. "سمين".

والمعنى: أي كما (٣) أرسلنا إلى الأمم الماضية رسلًا فكذبوهم، كذلك أرسلناك في هذه الأمة لتبليغهم رسالة الله إليهم، وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.