اختلاف الشهادات. قال الفراء: ويدل على قراءة التوحيد قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}.
والمعنى: أي والذين يقومون بأداء الشهادة عند الحكام، ولا يكتمونها ولا يغيّرونها. والشهادة من جملة الأمانات، وخصَّها بالذكر لعظم شأنها؛ إذ بها تحيا الحقوق وبتركها تموت.
٨ - ٣٤ {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٣٤)} تقديم {عَلَى صَلَاتِهِمْ} يفيد الاختصاص الدال عل أن محافظتهم مقصورة على صلاتهم، لا تتجاوز إلى أمور دنياهم؛ أي: يراعون شرائطها، ويكملون فرائضها وسننها ومستحباتها وآدابها، ويحفظونها من الإحباط باقتران الذنوب. فالدوام المذكور أوّلًا يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها. قال أبو حيان: وأقول: إنَّ الديمومة على الشيء والمحافظة عليه شيء واحد، لكنّه لما كانت الصلاة هي عمود الإِسلام بولغ في التوكيد فيها، فذكرت أوَّل خصال الإِسلام المذكورة في هذه السورة وآخرها ليعلم مرتبتها في الأركان التي بني الإِسلام عليها. وقال الشوكاني: والمراد يحافظون على أذكارها وأركانها وشرائطها، لا يخلون بشيء من ذلك. قال قتادة: على وضوئها وركوعها وسجودها. وقال ابن جريج: المراد: التطوع، وكرر ذكر الصلاة لاختلاف ما وصفهم به أوّلًا، وما وصفهم به ثانيًا، فإن معنى الدوام هو أن لا يشتغل عنها بشيء من الشواغل كما سلف، ومعنى المحافظة: أن يراعي الأمور التي لا تكون صلاةً بدونها. وقيل: المراد يحافظون عليها بعد فعلها من أن يفعلوا ما يحبطها ويبطل ثوابها، وكرر الموصولات للدلالة على أن كل وصف من تلك الأوصاف لجلالته يستحق أن يستقل بموصوف منفرد.
٣٥ - والإشارة: بقوله: {أُولَئِكَ} إلى الموصوفين بتلك الصفات؛ أي: أولئك الموصوفون بما ذكر من الصفات الفاضلة. {فِي جَنَّاتٍ}؛ أي: مستقرون في جنات لا يقادر قدرها، ولا يدرك كنهها. {مُكْرَمُونَ} بالثواب الأبدي والجزاء السرمدي؛ أي: سيكونون كذلك، فكأنّ الإكرام فيها واقع لهم الآن. وهو خبر ثان أو هو الخبر، و {فِي جَنَّاتٍ} متعلق به، قدم عليه لمراعاة الفواصل، أو بمضمر هو حال من الضمير في الخبر؛ أي: مكرمون حال كونهم كائنين في جنات.