نشأ من تفتيح أبواب السماء بالماء، وتفجير عيون الأرض، والتقاء الماءين من غرق قوم نوح عليه السلام كان جزاء لهم على كفرهم.
والمعنى: أي تجري محفوظة بحراستنا، فقد كانت بمرأى منّا، فنحن نكلؤها ونرعاها كما يرعى المرء ما يراه بعينه، ويقع تحت سمعه وبصره. ويقول القائل إذا وصى آخر بأمر, وشدد عليه: اجعله نصب عينيك؛ أي: اهتم به، ولا تهمله. ثم بين أن هذا هو الجزاء العادل على سوء صنيعهم، وكفرهم بربهم، فقال:{جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}؛ أي: فعلنا ذلك بهم جزاء كفرهم بآياتنا، وجحودهم بنعمائنا، وتكذيبهم برسولنا.
١٥ - ثم ذكر أنه أبقى السفينة عبرة لمن بعدهم على كر الدهور والأعوام، فقال:{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا}؛ أي: وعزتي وجلالي .. لقد تركنا، وصيرنا هذه السفينة {آيَةً} وعبرة لمن يعتبر بها ممن يقف على خبرها. وقال قتادة: أبقيناها دهرًا طويلًا حالة كونها آية، وعبرة لمن يعتبر بها. أبقاها بباقردى من بلاد الجزيرة. وقيل: على الجودي دهرًا طويلًا، حتى نظر إليها أوائل هذه الأمّة. وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادًا.
وفي "تفسير أبى الليث": قال بعضهم: يعني: أنَّ تلك السفينة كانت باقية على الجبل قريبًا من خروج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: بقيت خشبة من سفينة نوح هي في الكعبة الآن. وهي ساجة غرست، حتى ترعرت أربعين سنة, ثم قطعت، فتركت حتى يبست أربعين سنة. وقيل: بقي بعض خشبها على الجودي إلى هذه الأوقات.
يقول الفقير: لعل بقاء بعض خشبها لكونها آية وعبرة، وإلا فهو ليس بأفضل من أخشاب منبر نبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في المدينة. وقد احترقت، أو أكلتها الأرضة، فاتخذت مشطًا، ونحوه مما يتبرك به، ألا ترى أن مقام إبراهيم عليه السلام مع كونه حجرًا صلدًا لم يبق أثره بكثرة مسح الأيدي، ثم لم يبق نفسه أيضًا على ما هو الأصح والمعروف بالمقام الآن هو مقام ذلك المقام، فاعرف.
وقال بعضهم: جنس السفينة صارت عبرة؛ لأنَّ الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة واتخذوا السفن بعد ذلك في البحر، فلذلك كانت آية للناس. يقول الفقير: كيف يعرفونها؟ ولم يكن في الدنيا قبل الطوفان إلا البحر المحيط. وذلك أن الله