ولكونه قد تقدم ذكر الإهلاك والوقائع النازلة بالكفار من الأمم السابقة، فكأنه قال: أعبد الله الذي وعدني بإهلاككم. ولما ذكر أنه لا يعبد إلا الله، بين أنه مأمور بالإيمان, فقال:{وَأُمِرْتُ}؛ أي: أمرني ربي {أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: من المصدقين بما جاء من عنده؛ أي: أمرني بأن أكون من جنس من آمن بالله وأخلص له الدين.
ومعنى الآية: قل لهم أيها الرسول: إن كنتم في شك من ديني الذي أدعوكم إليه، ولم يتبين لكم أنه الحق، فاسمعوا وصفه واعرضوه على عقولكم، وانظروا فيه لتعلموا أنه لا مدخل فيه للشك، إني لا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون إلهكم وخالقكم، بل أعبد الله الذي يقبض الخلق فيميتهم إذا شاء، وينفعهم ويضرهم إذا أراد، ومثل هذا هو الحقيق بأن يعبد، وأن يخاف، وأن يتقى، دون من لا يقدر على شيء من ذلك، وفي ذلك تعريض لطيف وإيماء إلى أن مثل هذا الدين لا يشك فيه، وإنما ينبغي أن تشكوا فيما أنتم عليه، من عبادة الأصنام التي لا تعقل ولا تضر ولا تنفع، إذ عبادة الخالق لا يستنكرها ذو الفطرة السليمة، أما عبادة الأصنام فيستنكرها كل ذي لب وعقل سليم، وقد أمرت أن أكون من المؤمنين الذين وعدهم الله بالنجاة من عذابه، وبنصرهم على أعدائهم واستخلافهم في الأرض.
١٠٥ - وجملة قوله:{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} معطوفة (١) على جملة قوله: {أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ولا يمنع من ذلك كون المعطوف بصيغة الأمر, لأن المقصود من أن الدلالة على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والإنشائية؛ أي: وأمرت أن أكون من المؤمنين، وأمرت أن أقيم وجهي للدين القيم، الذي لا عوج فيه حالة كوني {حَنِيفًا}؛ أي: مائلًا من الأديان الباطلة إلى الدين الحق. فحنيفًا، حال من الوجه، أو من الدين، كما سيأتي، وذلك بالتوجه إلى الله وحده في الدعاء وغيره بدون التفات إلى شيء سواه، ونحو الآية قوله:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. فمن توجه قلبه إلى غيره