للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنه، {وَلَا تُخْزُونِ}؛ أي: ولا تذلوني ولا تهينوني بالتعرض لمن أجرتهم، بمثل تلك الفعلة القبيحة من الخزي وهو الهوان، وهذه الجملة آكد في الغرض من سابقتها، إذ التعرض للجار بعد حمايته والذب عنه أجلب للعار، ومن ثم عبر عن لجاجهم، ومجاهرتهم بمخالفته بالخزي، وأمرهم بتقوى الله تعالى في ذلك، وقد أثبت (١) يعقوب ياء تفضحوني ولا تخزوني في الوصل والوقف،

٧٠ - ثم أبانوا له أنه السبب في الفضيحة وفي هذا الخزي، كما ذكره الله سبحانه بقوله: {قَالُوا}؛ أي: قال قوم لوط الذين جاؤوا إليه {أَوَلَمْ نَنْهَكَ} يا لوط {عَنِ الْعَالَمِينَ}؛ أي: عن أن تضيف أحدًا من العالمين، أو تؤويه في قريتنا، إذ هم كانوا يتعرضون لكل غريب بالسوء، وكان لوط ينهاهم عن ذلك على قدر حوله وقوته، ويحول بينهم وبين من يتعرضون له، وكانوا قد نهوه عن التعرض لهم في مثل ذلك، وخلاصة مقالهم: أن ما ذكرت من الخزي والفضيحة أنت مصدره، والجالب له، فلولا تعرضك لنا .. ما أصابك ما أصابك.

قال في "الإرشاد": قوله: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ} الهمزة (٢) فيه للاستفهام التقريري، داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألم نقدم إليك وألم ننهك عن التعرض لهم بمنعهم عنا، وكانوا يتعرضون لكل واحد من الغرباء بالسوء، وكان عليه السلام يمنعهم عن ذلك بقدر وسعه، وهم ينهونه عن أن يجير أحدًا، أو يوعدونه بقولهم: لئن لم تنته يا لوط .. لتكونن من المخرجين، وفي "الشوكاني" وغيره: إن الاستفهام للإنكار، وليس بصواب، لعدم صدق ضابط الإنكاري عليه، بل التقريري يصدق عليه لأنه حمل المخاطب على الإقرار بما بعد حرف النفي، كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} ولما رآهم (٣) لوط متمادين في غيِّهم، لا يرعوون عن غوايتهم، ولا يقلعون عما هم عليه ..

٧١ - {قَالَ} لوط لقومه {هَؤُلَاءِ} النساء الموجودات بيننا {بَنَاتِي}؛ أي: بنات قومي فأزوجهن إياكم، أو تزوجهوهن؛ أي: قال لوط لقومه تزوجوا النساء، ولا تفعلوا ما قد


(١) زاد المسير.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.