للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مثلكم، وخرجت عن عداد المهتدين، وفي هذا تعريض بأنهم ليسوا من الهداية في شيء.

وقرأ (١) السلمي وابن وثاب وطلحة: {ضلِلت} بكسر فتحة اللام، وهي لغة، وفي "التحرير": قرأ يحيى وابن أبي ليلى هنا، وفي السجدة في {أئذا صللنا} بالصاد غير معجمة، ويقال: صل اللحم أنتن، ويروى: ضللنا؛ أي: دفنا في الضلة، وهي الأرض الصلبة رواه أبو العباس عن مجاهد بن الفرات في كتاب "الشواذ" له، ذكره أبو حيان في "البحر".

٥٧ - ثم أمره أن يقول لهم: إني على هدى من ربي فيما أتبعه، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد {إِنِّي} فيما أخالفكم فيه من التوحيد {عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي}؛ أي: على بيان قد بينه لي ربي، وبرهان قد وضح لي من ربي بالوحي والعقل؛ إذ القرآن بينة مشتملة على ضروب كثيرة من البينات العقلية والكونية التي يعجز الرسول عن الإتيان بمثلها {و} قد {كذبتم به}؛ أي؛ والحال أنكم قد كذبتم به؛ أي: بالقرآن الذي هو بينتي من ربي، ومن عجيب أمركم أنكم تكذبون ببينة البينات، ثم تطمعون أن أتبعكم على ضلال من أمركم لا بينة لكم عليه إلا محض التقليد، والتقليد: براءة من الاستدلال، ورضىً بجهل الآباء والأجداد. وفي هذا حجة دامغة وبينة ناصعة على ما قبله من نفي عبادته - صلى الله عليه وسلم - للذين يدعونهم من دون الله تعالى.

وفي "الفتوحات": والضمير (٢) في {بِهِ} يجوز أن يعود على {رَبِّي}؛ أي: وكذبتم بربي حيث أشركتم به، وهو الظاهر. وقيل: على القرآن؛ لأنه كالمذكور. وقيل: على {بَيِّنَةٍ}؛ لأنها بمعنى البيان. وقيل: لأن التاء فيها للمبالغة لا للتأنيث، فمعناها على أمر بين من ربي، والمعنى: وكذبتم بالبيان الذي جئت به من عند ربي - وهو القرآن - والمعجزات الباهرات، والبراهين الواضحات التي تدل على صحة التوحيد وفساد الشرك. وبعد أن بين تكذيبهم به .. أردفه برد شبهة تخطر حينئذ بالبال، وهي: أن الله سبحانه وتعالى أنذرهم


(١) البحر المحيط.
(٢) الجمل.