للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في اللغة من لا يكون له ولد، ولما كانت الأيام تتوالى، جعل ذلك كهيئة الولادة، ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم، ولا ليلة وصف بالعقيم. وقيل: إن اليوم وصف بالعقيم؛ لأنه لا رأفة فيه، ولا رحمة. فكأنه عقيم عن الخير. فكأنه قال: حتى تأتيهم الساعة أو يأتيهم عذابها.

وخلاصة هذا: أنه لا مطمح في إيمانهم ولا لزوال المرية من قلوبهم، فهم لا يزالون كذلك حتى يهلكوا.

٥٦ - وبعد أن بين سبحانه حال الفريقين في الدنيا، أرشد إلى حالهم في الآخرة. فقال: {الْمُلْكُ}؛ أي: السلطان القاهر، والاستيلاء التام، والتصرف على الإطلاق. {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ تأتيهم الساعة، أو العذاب {لِلَّهِ} سبحانه وحده لا منازع له فيه، ولا مدافع له عنه. وجملة قوله: {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، فكأنه قيل: فماذا يصنع بهم حينئذٍ، فقيل: يحكم بين فريقي المؤمنين بالقرآن، والمجادلين فيه بالمجازاة اللائقة بكل منهما.

أي: إذا جاء (١) يوم القيامة .. حكم ربهم بينهم بالحق، وجازى كلا منهما بما هو له أهل، وبما أعد نفسه له في الدنيا من عمل صالح، زكى به نفسه، وطهر به روحه، أو عمل سيء دسَّاها به، فرانت على قلبه غشاوة الشكوك والأوهام، واجترام المعاصي والآثام.

ثم فسر هذا الحكم والمحكوم عليهم، وفصله بقوله: {فَالَّذِينَ آمَنُوا} بالقرآن ولم يجادلوا فيه، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: الخيرات بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه مستقرون {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} لا يموتون فيها، ولا يخرجون؛ أي: فالذين آمنوا بهذا القرآن وبمن أنزله، وبمن جاء به، وعمل بما فيه من أوامر ونواه، يثيبهم ربهم جنات النعيم، يستمتعون فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، جزاء وفاقًا على ما زكوا به أرواحهم، وأخلصوا له في أعمالهم، وراقبوه في السر والعلن، وخافوا عذابه في ذلك اليوم


(١) المراغي.