للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ينبىء الساحرين، ولا يفلح عنده الظالمون. انتهت.

وفي هذا الأسلوب من أدب الخطاب في الحجاج والمناظرة ما لا يخفى (١)، فهو لم يؤكد أن خصمه في ضلال، كما لم ينسبه إلى نفسه بل ردده بينهما، وهو يعلم أنه لأيهما، وعلى هذا النحو جاء الخطاب من النبي - صلى الله عليه وسلم - للمشركين بقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

ثم علل هذا بأن سنة الله قد جرت بأن المخذول هو الكاذب، فقال: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}؛ أي: إنه لا ينجح الكافرون، ولا يدركون طلبتهم، وفي هذا إيماء إلى أنهم لا يظفرون بالفوز والنجاة، بل يحصلون على ضد ذلك، ولله در القائل من بحر الطويل:

فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالْحَيَاةُ مَرِيْرَةٌ ... وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

وَلَيْتَ الَّذِيْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَامِرٌ ... وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْعَالَمِيْنَ خَرَابُ

فائدة: قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} الآية. قاله (٢) هنا بزيادة الباء في قوله: {بِمَنْ جَاءَ} وفي قوله في آخر السورة: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} بدون زيادة الباء، تقوية للعامل هنا بحسب الظاهر، لضعفه عن العمل، لكونه اسم تفضيل، وحذفه هناك اكتفاء بدلالة الأول عليه.

٣٨ - {وَقَالَ فِرْعَوْنُ} بعدما جمع السحرة وتصدى للمعارضة {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} والأشراف؛ أي: يا أيها القوم {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ} في أي زمن {مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}؛ أي: إلهًا غيري، كما يدَّعي موسى، والأمر محتمل أن يكون، وسأحقق ذلك لكم، وهذا الكلام ظاهره الإنصاف، ليتوصل بذلك إلى قبولهم ما يقول لهم بعد ذلك في شأن الإله، وتسليمهم إياه اعتمادًا على ما رأوا من عظيم نصفته في القول؛ أي: ليس لكم إله غيري في الأرض.


(١) المراغي.
(٢) فتح الرحمن.