٥٣ - فلما أشهدوا عيسى على إيمانهم وإسلامهم .. تضرعوا إلى الله تعالى، وقالوا مبالغة في إظهار أمرهم يا {رَبَّنَا} ويا مالك أمرنا {آمَنَّا} وصدقنا {بِمَا أَنْزَلْتَ} على عيسى من كتابك الإنجيل {وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ}؛ أي: وامتثلنا أمر رسولك عيسى فيما أتانا به من عندك {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}؛ أي: فاكتبنا في جملة من شهد لك بالوحدانية، ولرسلك بالرسالة بتصديقهم واتباعهم؛ أي: فثبِّت أسماءنا مع أسمائهم، واجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به، وقال ابن عباس رضي الله عنهما فاكتبنا في زمرة الأنبياء؛ لأن كل نبي شاهد لقومه، أو فاكتبنا مع محمَّد وأمته؛ لأنهم هم المخصوصون بأداء الشهادة يوم القيامة، فإنهم يشهدون للرسل بالبلاغ، وهذا يقتضي أن يكون للشاهدين الذين سأل الحواريون أن يكونوا معهم مزيد فضل عليهم.
٥٤ - {وَمَكَرُوا}؛ أي: ومكر أولئك القوم الذين علم عيسى - عليه السلام - كفرهم من اليهود، واحتالوا في قتله بأن وكلوا به من يقتله غيلة {وَمَكَرَ اللَّهُ}؛ أي: أبطل الله مكرهم، فلم ينجحوا فيه، ورفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}؛ أي: أقواهم مكرًا، وأنفذهم كيدًا، وأقدرهم على إيصال التفسير إليهم من حيث لا يحتسبون؛ حيث جعل تدميرهم في تدبيرهم، فتدبيره الذي يخفى على عباده إنما يكون لإقامة سننه، وإتمام حكمته، وكلها خير في نفسها، وإن قصر كثير من الناس في الاستفادة منها بجهلهم وسوء اختيارهم.
واعلم: أن مكر الله استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون، قاله الفراء وغيره، وقال الزجاج: مكر الله: مجازاتهم على مكرهم فمعنى: {وَمَكَرَ اللَّهُ}؛ أي: جازاهم على مكرهم، فحيث أضمروا على أخذ عيسى من حيث لا يحتسب .. جازاهم على ذلك وأخذهم من حيث لم يحتسبوا؛ حيث ألقى شبه عيسى عليه السلام على قاصد قتله فقتل، ورفع عيسى فسُمي الجزاء باسم الابتداء، كقوله:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}. {وَهُوَ خَدِعُهُمْ} وأصل المكر: الاغتيال والخدع، حكاه ابن فارس، وهو إيصال الضرر إلى الغير بطريق خفي، وعلى هذا فلا يطلق