للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخلاصة ما سلف (١): أن الله سبحانه يأمر بالعدل، وهو أداء القدر الواجب من الخير، والإحسان وهو الزيادة في الطاعة، والتعظيم لأمر الله، والشفقة على خلقه، ومن أشرف ذلك صلة الرحم، وينهى عن التغالي في تحصيل اللذات الشهوانية التي يأباها الشرع والعقل، وعن الإفراط في اتباع دواعي الغضب، بإيصال الشر إلى الناس وإيذائهم، وتوجيه البلاء إليهم، وعن التكبر على الناس، والترفع عليهم، وتصعير الخد لهم.

{يَعِظُكُمْ} الله سبحانه وتعالى، يذكركم بما ذكره في هذه الآية من الأوامر الثلاثة والنواهي الثلاثة، فإنها كافيةٌ في باب الوعظ والتذكير، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}؛ أي: لإرادة أن تتعظوا، فتأتمروا بالأوامر، وتنتهوا عن المناهي، فتعملوا بما فيه رضاه سبحانه وتعالى، وما فيه صلاحكم في دنياكم وآخرتكم.

وقد أمر (٢) الله سبحانه في هذه بثلاثة أشياء، ونهى عن ثلاثة أشياء، وجمع في هذه الأشياء الستة علم الأولين والآخرين، وجميع الخصال المحمودة والمذومة، ولذلك قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: هي أجمع آية في القرآن للخير والشر، ولذا يقرؤها كل خطيب على المنبر في آخر كل خطبة، لتكون عظةً جامعة لكل مأمور ومنهي، كما في "المدارك"، وقال السيوطي في "كتاب الوسائل إلى معرفة الأوائل": أول من قرأ في آخر الخطبة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} إلخ عمر بن عبد العزيز، ولزمها الخطباء إلى عصرنا هذا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: يقرأ في آخر الخطبة، وكان عمر بن الخطاب يقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١)} إلى قوله: {مَا أَحْضَرَتْ}، وكان عثمان بن عفان يقرأ آخر سورة النساء {يَسْتَفتونَكَ} الآية، وكان علي بن أبي طالب يقرأ: الكافرون والإخلاص، ذكر ذلك ابن الصلاح، وأول من قرأ في الخطبة: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية المهديُّ العباسيُّ، وعليه العمل في هذا الزمان؛ أي: في الخطب المطولة.

٩١ - وبعد أن ذكر المأمورات والمنهيات بطريق الإجمال في الآية الأولى .. ذكر


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.