للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طبعها لا يتولد منها إلا الضلالة، وإن الهداية من مواهب الحق سبحانه، ليست النفس منشأها, ولذلك قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)}. {إِنَّهُ} تعالى {سَمِيعٌ} قول كل مهتدٍ وضالٍّ، وإن بالغ في إخفائه {قَرِيبٌ} منّي ومنكم. يعلم الهدى والضلالة، وقال بعضهم: سميع بمنطق كل ناطق، قريب لك شيء، وإن كان بعيدًا، وقرأ الجمهور: {ضَلَلْتُ} بفتح اللام، وقرأ الحسن ويحيى بن وثاب: بكسر اللام، وهي لغة أهل العالية، والمعنى: أي: قل أيها الرسول لقومك: إن ضللت عن الهدى، وسلكت غير طريق الحق، فإنما ضرر ذلك على نفسي، وإن استقمت على الحق.، فبوحي الله إليَّ، وتوفيقه للاستقامة على محجّة الحق، وطريق الهدى، إنه سميع لما أقول وتقولون، ويجازي كلًّا بما يستحق، قريب مجيب دعوة الداعي إذا دعاه.

روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا مجيبًا".

والخلاصة: أنّ الخير كله من الله، وفيما أنزله عليَّ من الوحي والحق المبين،

٥١ - ثم ذكر سبحانه حالًا من أحوال الكفار، فقال: {وَلَوْ تَرَى} يا محمد، أو يا من يفهم الخطاب، ويليق به {إِذْ فَزِعُوا}؛ أي: حين يفزع الكفار ويخافون مما نزل بهم، قيل (١): المراد: فزعهم عند نزول الموت بهم، وقال الحسن: هو فزعهم في القبور من الصيحة، وقال قتادة: هو فزعهم إذا خرجوا من قبورهم، وقال السدي: هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة، فلم يستطيعوا فرارًا، ولا رجوعًا إلى التوبة، وقال ابن مغفّل: هو فزعهم إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة، وقال سعيد بن جبير: هو فزعهم من الخسف الذي يخسف بهم في البيداء، فيبقى رجل منهم، فيخير الناس بما لقي أصحابه فيفزعون.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إنّ ثمانين ألفًا - وهم السفيانيّ وقومه - يخرجون في آخر الزمان، فيقصدون بالكعبة ليخرّبوها، فإذا دخلوا البيداء، وهي أرض ملساء بين الحرمين - كما في "القاموس" - خسف بهم، فلا ينجو منهم إلَّا


(١) الشوكاني.