٩٣ - {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ}؛ أي: فأدبر شعيب عنهم، وخرج من بين أظهرهم حين أتاهم عذاب الله {وَقالَ} حزنا عليهم {يا قَوْمِ} والله {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي} وأديت إليكم ما بعثني به إليكم، من الأوامر والنواهي والتوحيد وَنَصَحْتُ لَكُمْ؛ أي: وأظهرت لكم النصح فأبيتم قبوله، فجاءكم العذاب {فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ}؛ أي: فكيف أحزن على عذاب قوم جحدوا وحدانية الله، وكذبوا رسله، وأتوجع لهلاكهم، بعد أن أعذرت إليهم، وبذلت جهدي في سبيل هدايتهم ونجاتهم، فاختاروا ما فيه هلاكهم؛ لأنّهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بسبب إصرارهم على الكفر وإنّما يأسى من قصر فيما يجب عليه من النصح والإنذار.
والمعنى (١): لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنصيحة مما حل بكم، فلم تسمعوا قولي، ولم تقبلوا نصحي، فكيف آسى عليكم؟ والمراد: أنّهم ليسوا مستحقين بأن يأسى الإنسان عليهم، والاستفهام فيه للإنكار وفيه معنى التعجب.
٩٤ - {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ} من القرى {مِنْ نَبِيٍّ}؛ أي: نبيا من الأنبياء فكذبه أهلها {إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها}؛ أي: عاقبناهم {بِالْبَأْساءِ}؛ أي: بالشدة في أحوالهم، كالخوف وضيق العيش {وَالضَّرَّاءِ}؛ أي: الأمراض والأوجاع، أي: وما أرسلنا في قرية من القرى نبيا من الأنبياء، فكذبه أهلها، إلا أخذنا أهلها وعاقبناهم بالفقر والجوع، والأوجاع والأمراض {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}؛ أي: لكي يتضرعوا ويتذللوا، فيدعوا ما هم عليه من الاستكبار وتكذيب الأنبياء، وينقادوا لأمر الله تعالى.
والمعنى: أنّ سنتنا قد جرت - ولا مبدل لها - أنّنا إذا أرسلنا نبيا في قوم وكذبوه .. أنزلنا بهم الشدائد والمصائب، لنعدّهم ونؤهّلهم للتضرع والإخلاص في دعائنا بكشفها، وقد ثبت بالتجارب لدى علماء الأخلاق: أنّ الشدائد تربي الناس، وتصلح فساد أحوالهم، فالمؤمن قد يشغله هناء العيش عن حاجته إلى