للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سبحانه فساد رأيهم، وسخافة عقولهم لهذا الشرك، فقال: {أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١)} والاستفهام فيه للتوبيخ والتقريع؛ أي: أيشركون به سبحانه وتعالى، وهو الخالق لهم ولأولادهم، ولكل مخلوق {ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا}؛ أي: أصناما لا تقدر على خلق شيء من الأشياء وإن كان حقيرا، كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، {وَهُمْ يُخْلَقُونَ}؛ أي: بل هم مخلوقون، ولا يليق بذي العقل السليم أن يجعل المخلوق العاجز شريكا للخالق القادر، ومعبودا لنفسه، ومن حق المعبود أن يكون خالقا لعابده.

والمعنى (١): أتشركون الأصنام - وهي لا تقدر على خلق شيء - كما يخلق الله، وهم يخلقون؛ أي: يخلقهم الله تعالى ويوجدهم كما يوجدكم، أو المعنى: وهم ينحتون ويصنعون، فعبدتهم يخلقونهم، وهم لا يقدرون على خلق شيء، فهم أعجز من عبدتهم، وجملة {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} معطوفة على جملة الصلة، وجمع الضمير اعتبارا بمعنى {ما} كما أفرده في {يَخْلُقُ} اعتبارا بلفظه، وعبر عن الأصنام بضمير العقلاء نظرا لاعتقاد الكفار فيهم، أو لأن من جملة من عبد الشياطين والملائكة وبعض بني آدم، فغلبوا على غيرهم.

والآية وما بعدها حكاية لشرك عباد الأصنام عامة، وينتظم فيهم مشركو مكة وأمثالهم ممن نزل القرآن في عهدهم، وتوبيخ لهم بتفصيل أحوال أولئك الشركاء التي تنافي ما اعتقدوه، وقرأ السلمي {أتشركون} بالتاء من فوق.

١٩٢ - {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا}؛ أي: ولا يستطيع المعبودون نصرا ومعونة لعابديهم إذا حزبهم أمر مهم وخطب ملم {وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}؛ أي: كما لا يستطيعون نصرا لأنفسهم على من يعتدي عليهم بإهانة لهم، أو أخذ شيء مما عندهم من طيب أو حلي، كما قال تعالى: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.

والخلاصة: أنّهم يحتاجون إليكم في تكريمهم وفي الدفاع عنهم، وأنتم لا


(١) البحر المحيط.