لهم عند الله بما يدفع عنهم الضرر، ويجلب لهم النفع، كما حكى الله تعالى عن عبدة الأصنام قولهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. وفي هذه العقيدة حجة عليهم؛ إذ يقال لهم: إنكم إذا كنتم تؤمنون بأن لله شفعاء من أولياء. وعباده المقربين يشفعون لكم بما يقربكم إليه زلفى، وهو قول عليه تعالى بغير علم، فما بالكم تنكرون وتعجبون، أن يوحي إلى من يشاء، ويصطفي من عباده من يعلمهم ما يهديهم إلى العمل الموصل إلى السعادة، والهادي إلى طريق الرشاد.
{ذَلِكُمُ} الرب، الموصوف بالصفات السابقة، من الخلق والتقدير والحكمة والتدبير والتصرف في أمر الشفاعة، يأذن بها لمن يشاء هو {اللَّهُ}؛ أي: المعبود بحق في الوجود {رَبُّكُمْ} المتولي شؤونكم {فَاعْبُدُوهُ}؛ أي: أفردوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئًا، ولا تشركوا معه أحدًا، لا في شفاعة، ولا في غيرها، فالشفعاء لا يملكون لكم من دونه نفعًا ولا ضرًّا، بل هو الذي يملك ذلك وحده، وهو قد هداكم إلى أسباب النفع والضر الكسبية بالعقول والمشاعر التي سخرها لكم، وإلى أسباب النفع والضر الغيبية بوحيه، فلا تطلبوا نفعًا ولا ضرًّا إلا بالأسباب التي سخرها لكم، وما تعجزون عنه أو تجهلون أسبابه فادعوه فيه تعالى وحده يحصل لكم ما فيه ترغبون، أو يدفع عنكم ما تكرهون وهذه الجملة زيادة تأكيد لقوله:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}.
والهمزة في قوله:{أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} للاستفهام الإنكاري المضمن للتوبيخ والتقريع، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتجهلون هذا الحق الواضح، فلا تتذكرون أن الذي خلق السموات والأرض، وانفرد بتدبير هذا العالم، هو الذي يجب أن يعبد، ولا يعبد سواه، وذلك هو مقتضى الفطرة، والإعراض عنه غفلة يجب التنبيه إليها.
٤ - {إِلَيْهِ} سبحانه وتعالى لا إلى غيره {مَرْجِعُكُمْ}، أي: رجوعكم أيها الخلائق بالبعث بعد الموت، للمجازاة على أعمالكم؛ أي: إلى ربكم وحده دون غيره من معبوداتكم وشفعائكم وأوليائكم ترجعون {جَمِيعًا} بعد الموت وفناء هذا العالم الذي أنتم فيه، لا يتخلف منكم أحد، فلا حكم إلا حكمه، ولا نافذ إلا أمره {وَعْدَ اللَّهِ} سبحانه