للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فائدة قوله: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}، وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}؟

قلتُ: فائدتهما تمييزهما في الاستدلال على وجود الصانع، أما الأول: فإن أقرب ما للإنسان نفسه وما يشاهده من تغييراته وانتقاله من ابتداء ولادته، وأما الثاني: فلما تضمنه ذكر المشرق والمغرب وما بينهما من بديع الحكمة في تصريف الليل والنهار واختلافهما، وتغيير الفصول بطلوع الشمس من المشرق، وغروبها في المغرب على تقدير مستقيم في فصول السنة.

فإن قلت (١): لمَ قال أولًا: {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}، وقال ثانيًا: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}؟

قلتُ: لاطفهم أولًا بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}، فلما رأى عنادهم وشدة شكيمتهم خاشنهم وأغلظ عليهم في الرد، وعارضهم بمثل مقالهم بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}؛ لأنه أوفق بما قبله من رد نسبة الجنون إليه في قول فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}.

٢٩ - ولما قامت الحجة على فرعون .. عدل إلى القهر واستعمال القوة، فتوعده بالسجن، ولم يقل: ما دليلك على أن هذا الإله أرسلك؛ لأن فيه اعترافًا بأن ثم إلهًا غيره، كما بينه سبحانه بقوله: {قَالَ} فرعون لشدة تمرده، وميلًا إلى العقوبة كما يفعله الجبابرة، وعدولًا إلى التهديد عن المحاجة بعد الانقطاع، وغيظًا على نسبة الربوبية إلى غيره، ولعله (٢) كان دهريًا، أعتقد أن من ملك قطرًا، وتولى أمره بقوة طالعه .. استحق العبادة من أهله، فبألوهيتي وربوبيتي {لَئِنِ اتَّخَذْتَ} وجعلت لنفسك {إِلَهًا غَيْرِي}؛ أي: معبودًا غيري كما تدعيه {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} اللام فيه للعهد؛ أي: لأجعلنك من الذين عرفت أحوالهم في سجوني، فإنه كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا, ولذلك لم يقل: لأسجنك. وعبارة شيخ الإِسلام هنا (٣): فإن قلت: لم عدل إلى هذه العبارة عن قوله: لأسجنك، مع أنه


(١) فتح الرحمن.
(٢) روح البيان.
(٣) فتح الرحمن.