للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكفرها إلى الهلاك معهم. ففيه تنبيه إلى أنَّ لصحبة الأغيار ضررًا عظيمًا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {إلا امرأتُك} بالرفع، وباقي السبعة بالنصب. فوجه النصب على أنه استثناء من قوله: {بِأَهْلِكَ} إذ قبله أمر، والأمر عندهم كالواجب، ويتعيَّن النصبُ على الاستثناء من أهلكَ في قراءة عبد الله إذ سقط في قراءته وفي مصحفه: {ولا يلتفت منكم أحد} ووجه الرفع على أنه بدل من أحد، وهو استثناء متصل.

ثم علَّل الإسراءَ ببقية من الليل، فقال {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ}؛ أي: موعدَ عذابهم {الصُّبْحُ} ابتداءً من طلوع الفجر إلى الشروق، كما جاء في سورة الحجر: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣)}. وقرأ عيسى بن عمر: {الصبُحُ} بضم الباء. قيل: وهي لغةٌ فلا يكون ذلك اتباعًا، وإنما جعل الصبح ميقاتًا لهلاكهم؛ لأن النفوسَ فيه أودع، والراحةُ فيه أَجْمَعُ فيكون حُلولُ العذاب حينئذ أفْظَعَ؛ ولأنه أنسبُ بكونِ ذلك عبرةً للناظرين. رُوي أنَّ لوطًا قال للملائكة متى موعدهم؟ قالوا: الصبحُ، فقال: أُريد أسرعَ من ذلك، فقالوا: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}؛ أي: أليس موعد الصبح بموعد قريبٍ؟ لم يَبْقَ له إلا ليلة واحدةُ فَانْجُ فيها بأهلك. والاستفهامُ فيه تقريري. وفيه إشارة إلى أنَّ صبحَ يومِ الوفاة، قريبٌ لكل أحد، فإذا أدركَه فكأنَّه لم يَلْبَثْ في الدنيا إلا ساعةً من نهار. وفي "المراغي": وحكمة تخصيص هذا الوقت أنهم يكونونَ مجتمعينَ في مساكِنهم، فلا يفلت منهم أحدٌ، اهـ.

٨٢ - {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا}؛ أي: وقت أمرنا بالعذاب، وقضائنا فيهم بالهلاك، وهو الصبح {جَعَلْنَا} بقدرتنا الكاملة {عَالِيَهَا}؛ أي: عاليَ قرى قوم لوط، وهي التي عبر عنها بالمؤتفكات، وهي أربعُ مدائنَ فيها أربع مئة ألف، وأربعة آلاف، وهي سدوم، وعامورا، وكَادُوما، ومذاويم. كانت على مسيرة ثلاثةِ أيام من بيت المقدس {سَافِلَهَا}؛ أي: قلبناها على تلك الهيئات؛ أي: قَلَبْنَا قُراهم كُلَّها، وخَسَفْنا بها الأرض. روي أنَّ جبريلَ جعل جَنَاحَه في أسْفَلِها فاقتلعها من الماء الأسود، ثمَّ رَفَعَها إلى السماء حتى سمِعَ أهل السماء نباح الكلاب، وصياح الدِّيكة لم يكفأ إناء، ولم يَنتَبِه نائم، ثم قلبها عليهم، فأقبلت تَهْوي من السماء