للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشرائع ما يزكي النفوس، وتقوم بها مصالح العباد، وعليها سعادتهم في دنياهم وآخرتهم.

وخلاصة ذلك: أنّه فاقد لأهم صفة من صفات الإله الحق، وهي صفة الهداية والإرشاد للعباد، بإرسال الرسل الذين يختارهم إلى الناس، ومرجعها صفة الكلام، ثم أكد ما سلف وقرره بقوله: {اتَّخَذُوهُ} أي: اتخذوا ذلك العجل إلها وعبدوه {وَكانُوا ظالِمِينَ} لأنفسهم حيث أعرضوا عن عبادة الله تعالى، واشتغلوا بعبادة العجل.

أي: إنهم لم يتخذوه عن دليل وبرهان، بل اتخذوه عن تقليد للمصريين، إذ رأوهم يعبدون العجل - أبيس - من قبل، وعن تقليد لما رأوه من العاكفين على أصنام لهم من بعد، فعبدوه مثلهم،

{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}؛ أي: ولما اشتد ندمهم على عبادة العجل، وازدادت حسرتهم على ما فرط منهم في جنب الله تعالى، وتحيروا بعد عود موسى من الميقات {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا}؛ أي: وعلموا أنّهم قد ضلوا ضلالا بعيدا بعبادة العجل {قالُوا}؛ أي: قال بعضهم لبعض: إن ذنبنا لعظيم، وإن جرمنا لكبير، وإنّه لن يسعهم بعد هذا الذنب إلا رحمة الله التي وسعت كل شيء و {لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا} بقبول توبتنا {وَيَغْفِرْ لَنا} بالتجاوز عن جريمتنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}؛ أي: من الذين خسروا سعادة الدنيا - وهي الحرية والاستقلال في أرض الموعد - وخسروا سعادة الآخرة وهي دار الكرامة والنعيم المقيم وجنات النعيم.

١٤٩ - وفي «الفتوحات» قوله: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} هذا كناية عن (١) الندم، ومعلوم أنّ الندم متأخر عن علمهم بالخطأ، فتقديمه على الرؤية للمسارعة إلى بيانه، والإشعار بغاية سرعته، حتى كأنّه سابق على الرؤية. اه «أبو السعود».

{وسُقِطَ} فعل ماض مبني للمجهول، وأصل الكلام: سقطت أفواههم على أيديهم، ففي بمعنى على، وذلك من شدة الندم، فإن العادة أنّ الإنسان إذا ندم بقلبه على شيء عض بفمه على أصابعه، فسقوط الأفواه على الأيدي لازم للندم،


(١) الفتوحات والمراح.