للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فعلموا أن المسلم ما خلق للهو واللعب، ولا للكسل، والتواكل، ولا لنيل الظفر، ونيل السيادة، بخوارق العادات، وتبديل سنن الله في المخلوقات، بل خلق ليكون أكثر الناس جدًّا في العمل، وأعظمهم تفانيًا، في أداء الواجب إتباعًا للنواميس، والسنن التي وضعها الله في الخليقة.

وقد تجلَّى أثر هذا التمحيص في الغزوات التي تلت هذه الوقعة ففي "غزوة حمراء الأسد" أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يتبع المشركين فيها إلا من شهد القتال بأحد، فامتثل المؤمنون أمره بقلوب مطمئنةٍ، وعزائم صادقةٍ، وهم على ما هم عليه من الجراح المبرحة، والقلوب المتكسرة.

{وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}؛ أي: وليهلك الكافرين في الحرب، ويستأصلهم شيئًا فشيئًا، إن كانت الغلبة للمؤمنين على الكافرين. ويجعل اليأس يسطو على قلوبهم، وفقد الرجاء يذهب بعزائمهم، فلا يبقى لديهم شجاعةٌ، ولا بأسٌ، ولا قلٌّ (١)، ولا كثرٌ من عزة النفس، فيكون وجودهم كالعدم، لا فائدة فيه، ولا أثر له فالكافرون المبطلون، لا يثبت لهم حالٌ مع المؤمنين الصادقين، وإنما يظهرون إذا لم يوجد من أهل الحق والعدل في ينازعهم ويقاوم باطلهم، كما هو مشاهد في عصرنا هذا. لأن الإِسلام راح إلا الاسم، فهذه مصيبةٌ، ما أعظمها، فإنا لله، وإنا إليه راجعون.

١٤٢ - وأم في قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} منقطعةٌ عند الأكثرين تقدَّر ببل، وهمزة الإنكار، والخطاب فيه للذين انهزموا يوم أحد أي أظننتم (٢) أن تدخلوا الجنة وتفوزوا بنعيمها، والحال أنه لم يجتمع فيكم الجهاد في سبيل الله، والصبر فيه على مشاقه؟ أي: لا تحسبوا دخولها {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}. أي؛ والحال: أنه لم ير الله المجاهدين منكم في سبيل الله


(١) وَقُلُّ الشيء: عُلُوَّهُ وارتفاعه، يقال: قَلَّ الشي يَقِلُّ - من باب ضرب - قِلًّا وقَلًّا إذا علا وكُثْرُ الشيء عظمته. اهـ مؤلفه.
(٢) مراح.