للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إيمان جمهورهم؛ لأنَّهم إمَّا رؤساء حاسدون للرسول - صلى الله عليه وسلم - معاندون له، جاحدون بآياته المؤيِّدة لرسالته على علم منهم، وفيهم يقول سبحانه: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} وإمَّا مقلدون جامدون على التقليد، لا ينظرون في الدلائل والآيات، وقد لقَّبهم الله سبحانه وتعالى بالدَّواب - وهو اللفظ الذي غلب استعماله في ذوات الأربع -؛ لإفادة أنهم ليسوا من شرار البشر فقط، بل هم أضلُّ من العجماوات؛ لأنَّ لها منافع، وهؤلاء لا خير فيهم ولا نفع لغيرهم منهم، كما قال تعالى في أمثالهم: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)}.

٢ - نقض العهد، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عقد مع يهود المدينة عقب هجرته إليهم عهدًا أقرَّهم فيه على دينهم، وأمنهم على أنفسهم وأموالهم، فنقض كل منهم عهده، بما مرَّ آنفًا عن ابن عباس رضي الله عنه.

٥٧ - وبعد أن بين سبحانه وتعالى أنه قد تكرر منهم نقض العهد .. أردف ذلك بذكر ما يجب أن يعاملوا به، فقال: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ}؛ أي: فإن تجد يا محمَّد هؤلاء الناقضين لعهدهم معك {في الْحَرْبِ}؛ أي: في أثناء الحرب؛ أي: فإمَّا تصادفنهم وتظفر بهم في الحرب وتتمكن منهم {فَشَرِّدْ بِهِمْ}؛ أي: ففرق وخوف بسبب تنكيلك بهم وعقوبتك لهم {مَنْ خَلْفَهُمْ}؛ أي: من ورائهم؛ أي: من سواهم من سائر الكفار الذين يريدون محاربتك، كأهل مكة. ومعنى (١) الآية: إنَّك يا محمَّد إذا ظفرت بهؤلاء الكفار الذين نقضوا العهد .. فافعل بهم فعلًا من القتل والتنكيل تفرِّق بهم جمع كلِّ ناقضٍ للعهد، حتى يخافكم من وارءهم من أهل مكة واليمن {لَعَلَّهُمْ}؛ أي: لعل الذين خلفهم {يَذَّكَّرُونَ}؛ أي: يتعظون بما يقع لهؤلاء الناقضين من التعذيب؛ أي (٢): إذا فعلت بقريظة العقوبة .. فرقت شمل قريش؛ إذ يخافون منك أن تفعل بهم مثل ما فعلت بحلفائهم، وهم قريظة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفرِّقهم في ذلك الوقت تفريقًا عنيفًا موجبًا للاضطراب،


(١) الفتوحات.
(٢) المراح.