٥٣ - {وَقُلْ} يا محمد {لِعِبادِي} المؤمنين إذا أردتم إتيان الحجّة على المخالفين، فأذكروها غير مخلوطة بالشتم والسب، فيقابلونهم بمثله، ولا يخاشنوهم بل {يَقُولُوا} لهم الكلمة {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} كأن يقولوا لهم: يهديكم الله، ولا يتخاشنوا معهم في الكلام، كأن يقولوا لهم: إنكم من أهل النار، فإنه يهيّجهم إلى الشر؛ أي: وقل لعبادي يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم مع خصومهم من المشركين وغيرهم الكلام الأحسن للإقناع، مع البعد عن الشّتم والسّبّ والأذى، ونظير الآية قوله:{ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وقوله: {وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} روي أنّ الآية نزلت في عمر بن الخطاب، ذلك أنّ رجلا شتمه، فسبّه عمر وهمّ بقتله، فكادت تثير فتنة، فأنزل الله الآية، ثمّ علّل ذلك بقوله:{إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}؛ أي: يفسد ويلقي العداوة بينهم؛ أي: إنّ الشيطان يفسد بين المؤمنين والمشركين، ويهيّج الشرّ بينهم، فينتقل الحال من الكلام إلى الفعال، ويقع الشر والمخاصمة، ومن ثمّ نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإنّ الشّيطان ينزغ في يده، فربما أصابه بها، وفي الحقيقة: المعلل محذوف يعلم بطريق المفهوم، تقديره: ولا يقولوا غير الأحسن، وهو القول الخشن على النفوس، لأنّ الشيطان ينزغ بينهم.
روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ولا يشيرنّ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعلّ الشيطان ينزغ في يده، فيقع في حفرة من النار» وروي أيضًا عن رجل من بني سليط قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في رفلةٍ - جماعة - من النّاس فسمعته يقول:«والمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، التقوى هاهنا، ووضع يده على صدره» ثم بيّن سبب نزغ الشيطان