أقاضي على أن يضرب كل رجل منكم مئة، على أن ننجو من أن ينزل فينا قرآن، فبلغ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فجاؤوا يعتذرون، فأنزل الله {لَا تَعْتَذِرُوا ...} الآية، فكان الذي عفا الله عنه مخشي بن حمير، فتسمى عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتل شهيدًا لا يعلم بمقتله أحد، فقتل يوم اليمامة لا يعلم مقتله إلا من قتله، وأخرج ابن جرير عن قتادة أن ناسًا من المنافقين قالوا في غزوة تبوك: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها، هيهات، فأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فأتاهم، فقال:"قلتم كذا وكذا"، قالوا: إنما كنا نخوض ونلعب، فنزلت هذه الآية.
التفسير وأوجه القراءة
٦١ - {وَمِنْهُمُ}؛ أي: ومن المنافقين {الذين يؤذون النبي}؛ أي: جماعة يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأقوالهم وأفعالهم، ويعيبونه {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} سامعة؛ أي: يسمع من كل أحد ما يقوله، ويقبله، ويصدقه، وهم يريدون بذلك أنه سليم القلب، سريع الاغترار بكل ما يسمع دون أن يتدبر فيه ويميز بين ما هو جدير بالقبول، لوجود أمارات الصدق فيه، وما لا ينبغي قبوله، وهذا عيب في الملوك والرؤساء، لما يترتب عليه من تقريب المنافقين وإبعاد الناصحين، وإنما قالوا ذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعاملهم بأحكام الشريعة، كما يعامل عامة المؤمنين، بالبناء على الظاهر، فظنوا أنه يصدق كل ما يقال له.
قال الجوهري (١): يقال رجل أذن، إذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع، ومرادهم: أقمأهم الله تعالى أنهم إذا آذوا النبي، وبسطوا فيه ألسنتهم، وبلغه ذلك .. اعتذروا له، وقبل ذلك منهم؛ لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه، أنه: أذن مبالغةً؛ لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع، حتى كأنَّ جملته أذن سامعةٌ، ونظيره قولهم للربيئة؛ أي الجاسوس: عين، وإيذاؤهم له هو قولهم {هُوَ}؛ أي: محمد - صلى الله عليه وسلم -، {أُذُنٌ} سامعةٌ، ليس له ذكاءٌ؛ لأنهم نسبوه إلى أنه يصدق كل ما